الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة

الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة

الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة

 العرب اليوم -

الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة

بقلم - حازم صاغية

عندما غزا صدّام حسين دولة الكويت في 1990 قال كثيرون في المنطقة العربيّة ومن كارهي أميركا في الغرب: «لولا السفيرة الأميركيّة في بغداد إبريل غلاسبي التي خدعت صدّام، لما حصل ما حصل». وعندما اغتيل رفيق الحريري عام 2005، سُمع صوت واسع النطاق يقول: «لا ندري من الذي ارتكب تلك الجريمة. أغلب الظنّ أنّها إسرائيل». أمّا مع اندلاع الثورة السوريّة في 2011، فكان التأويل جاهزاً وعلى أكثر من لسان فصيح: «إنّها مؤامرة شرّيرة على سوريّا وقع الجميع في شِباكها».
في الحالات الثلاث، وفي حالات كثيرة أخرى مشابهة، تحضر طريقة ملتوية في التعبير عن الموقف تتميّز بالمواصفات التالية:
أوّلاً – تجنّب الإعلان الصريح والمباشر عن تأييد أعمال كهذه (غزو، جريمة اغتيال، قمع وحشيّ لشعب) لصعوبة الدفاع عنها، خصوصاً أنّ معظم أصحاب هذا الكلام مؤيّدون لفظيّون لقيم مختلفة.
ثانياً – البناء على واقعة جزئيّة أو على حقيقة ثانويّة التأثير في الحدث الكبير. هكذا يضيع تحديد المسؤوليّة عن ذاك الحدث نفسه.
ثالثاً – اعتماد موقف الترفّع الأخلاقيّ والوعظيّ الذي ينعى ما آلت إليه الأحوال من انحطاط، وما آل إليه البشر من توحّش وهمجيّة، وقد يترافق ذلك مع تضرّع إلى الله كي يجنّبنا أوضاعاً كهذه.
رابعاً – وهو العنصر الذي يُملي باقي العناصر: تغييب طبيعة الأنظمة والقوى المرتكبة إلى جانب تضخيم الذرائع المفترضة وراء الارتكاب. هكذا يصار إلى تجاهل أنّ أنظمة وقوى كهذه ليست بحاجة إلى ذرائع لتنفيذ ارتكاباتها. إنّها، تعريفاً، أنظمة ارتكابات.

 

شيء من هذا الالتواء يحصل اليوم في أوروبا الغربيّة في أوساط بعض القوى، اليمينيّة منها واليساريّة، التي ظلّت حتّى الأمس القريب مفتونة بفلاديمير بوتين. نرى ذلك بصورة خاصّة حيث الانتخابات العامّة على الأبواب، كما في فرنسا. ذاك أنّ القوى المذكورة ما عادت قادرة، بعد حربه على أوكرانيا وتهديده عموم أوروبا، على إعلان ذاك الافتتان. لكنّها، مع هذا، لا تزال قادرة على أن تفعل التالي:
– تقديم تمدّد حلف الناتو شرقاً، وليس الخوف من روسيا عند جيرانها ممّن يريدون الاحتماء بالناتو، بوصفه أحد أصول المشكلة، إن لم يكن أصلها الأبرز.
– التذكير بين فينة وأخرى بالنوايا الأميركيّة المبيّتة (وطبعاً تكرّ اللائحة الشهيرة من الهنود الحمر إلى فيتنام ثمّ تشيلي). وقد تكون هناك «نوايا أميركيّة مبيّتة»، لكنّ الاهتداء إليها في الحرب الروسيّة الراهنة ليس بالأمر السهل.
– الإلماح إلى تعقيدات أوكرانيا والصراعات الإثنيّة التي عرفتها في تاريخها القريب. يتمّ هذا لا بغرض الدعوة إلى اعتماد صيغة أخرى للوحدة أو الانفصال الأوكرانيّين في ظروف سلميّة، بل لإسباغ الأولويّة على التكسّرات الداخليّة، لا على العدوان الخارجيّ (اللبنانيّون خصوصاً يعرفون كيف استُخدم مصطلح «الحرب الأهليّة»، وهو صحيح، لتبرير التدخّلات الخارجيّة المسلّحة في بلدهم. الكرد أيضاً يعرفون كيف استُخدم «التركيب العشائريّ للمجتمع الكرديّ» و«الزعامة الكرديّة الإقطاعيّة»، وهو أيضاً صحيح، لتبرير الحروب على الكرد).
- الحدّ الأقصى من المبالغة في الحديث عن «القوى النازيّة» في أوكرانيا (وهي، كما نعلم، من تبريرات موسكو للحرب)، والحدّ الأدنى من ربط «النازيّة» الأوكرانيّة بالقضيّة الوطنيّة لأمّة صغيرة وضعيفة في ظلّ الاحتراب الروسيّ – الألمانيّ (يذكّر هذا المنطق بما يفعله بعض غلاة الصهاينة حين يبالغون بـ «نازيّة» الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة أيّام أمين الحسيني).
- تغييب السيرورة الديمقراطيّة في أوكرانيا التي انطلقت من صفر سياسيّ عند استقلالها، وفي ظلّ علاقات إثنيّة مضطربة مع خُمس السكّان تقريباً. أهمّ من ذلك، تغييب قابليّة هذه التجربة للتطوّر في ظلّ استقرار وأمن لا ينشآن إلاّ بعد اختفاء التهديد الخارجيّ. (للمقارنة: زيلنسكي هو الرئيس السادس لبلاده، تولّى السلطة في 2019 في بلد استقلّ عام 1991. بوتين حكم روسيا مباشرة أو مداورة منذ 1999 وبات يستطيع دستوريّاً أن يبقى في الرئاسة حتّى 2036).
- الجمع بين رفض الحرب على أوكرانيا، وهو ما يحظى بإجماع أوروبيّ واسع، والتحفّظات على دعم أوكرانيا حربيّاً كي تدافع عن نفسها، ما دامت الحرب قائمة. حبّ السلام وكره العنف، المشوبان بكثير من الوعظ الأبويّ، هما بالطبع ما تُنسب تلك التحفّظات إليهما.
إنّ هذه الطريقة الملتوية، عند العرب كما عند سواهم، ما هي إلاّ تكتيكات حربيّة مُقنّعة أكثر منها أيّ شيء آخر.

arabstoday

GMT 17:45 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«الفيتو» الأمريكى؟!

GMT 17:41 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«حماس» خسرت... وإسرائيل لم تربح

GMT 15:33 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

العكس بالضبط

GMT 15:25 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«ألفا» ونحن

GMT 15:24 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

المرأة المصرية شاركت فى بناء الأهرامات!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة الطريقة الملتوية في إعلان المواقف الرديئة



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 العرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 22:30 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

رانيا يوسف مطربة لأول مرة في عمل غنائي جديد

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سنة ثالثة شعر

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

مدخل إلى التثوير!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أزرار التحكم... والسيطرة!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فيلبي وحفيدته سارة... وإثارة الشجون

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«رؤية 2030»: قارب النجاة في عالم مضطرب

GMT 10:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فيضانات كينيا تتسبب في انهيار سد ومقتل العشرات

GMT 13:58 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

GMT 18:07 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فرص للسلام في الشرق الأوسط!

GMT 18:04 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

«إني متوفيك ورافعك»

GMT 17:57 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

‎الممر البحرى الأمريكى و٧ مخاوف مشروعة

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 17:56 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

تفوق الأندية المصرية إفريقيًا

GMT 18:02 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

نجوم الفضائح والتغييب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab