أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ...

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ...

 العرب اليوم -

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ

بقلم :حازم صاغية

 

«بما أنّنا هُزمنا في حرب تسبّبنا بنشوبها، وأدّت إلى كوارث بشريّة وماديّة، وإلى احتلال للأرض وتهجير للسكّان،

وبما أنّ القوى العربيّة والغربيّة التي يمكنها مساعدة لبنان اقتصاديّاً، بما في ذلك إعادة إعمار الجنوب، لا تثق بنا،

وبما أنّ تولّينا دوراً كبيراً في الحياة العامّة يعقّد الانسحاب الإسرائيليّ من أرضنا، وقد يلغيه،

وبما أنّ سوريّا، التي تحدّ بلدنا من الشمال والشرق، طردت صديقنا بشّار الأسد، ونشأ فيها وضع مختلف لا يطمئنّ إلينا ولا نطمئنّ إليه،

وبما أنّ راعينا الإيرانيّ مهدّد، في أيّة لحظة،

وبما أنّ أكثريّة الشعب اللبنانيّ لا ترغب في أن ترانا نتصدّر الوضع الجديد...،

لكلّ هذه الأسباب، ينبغي أن نُكافَأ بنيل وزارة الماليّة وتوقيعها الثالث، وبمنحنا الحقّ في تسمية جميع ممثّلي طائفتنا في الحكومة».

هذه الفقرة أعلاه لم يقلها أحد، لكنّها تكاد تكون «التبرير» الفعليّ الذي لا يجهر به نبيه برّي و«حزب الله» لموقفهما. وهو «تبرير» قد يجد أسانيده في شقّ عدميّ قويّ يقيم في صلب ثقافتنا السياسيّة. فمن يخسر أكثر، ويتسبّب لنفسه ولسواه بأفدح الأضرار، يكون الأكثر استحقاقاً للتكريم. واستناداً إلى الوعي المذكور، يُرفع «التبرير» المضمَر هذا إلى سويّة المعيار، فيُطالَب الآخرون بأن يروا الأمور كما يراها صاحب «التبرير»، ويسمّون الهزيمة انتصاراً، والخسارة ربحاً، والضعف قوّةً.

على أنّ للمسألة هذه وجهاً آخر مصدره أنّ برّي و»حزب الله» لا يزالان يحتكران تمثيل طائفتهما، ولا يزال ينضوي في عباءتهما جميع نوّاب الطائفة الشيعيّة من غير استثناء. وما يعنيه هذا، وفي انتظار أن تُتاح الفرصة لمزيد من القوى الوازنة المعارضة في الطائفة نفسها، أنّ المصلحة الوطنيّة والمصلحة الفئويّة لم تشهدا درجة من التضارب كالتي تشهدانها الآن. ذاك أنّ التناقض لا يقتصر على أفكار مجرّدة أو برامج، بل يمتدّ إلى نزاع محتدم بين طلب النفع الوطنيّ المسنود بالعقل والعدميّة الفئويّة المسنودة بالأهواء. وهذه معضلة جدّيّة تتعدّى السياسة بمعناها العاديّ إلى الاجتماع، وتتجاوز التراكيب الحكوميّة إلى هشاشة «الوحدة الوطنيّة» ذاتها. وفي انتظار أن تتفتّق الأحداث عن حلّ ما لتلك المعضلة، تبقى المطالبة برؤية الأمور على هذا النحو هي، فضلاً عن لاعقلانيّتها ولامعقولها وإضرارها بالصالح العامّ، بالغة الفئويّة ومستحيلة التوفيق مع تصوّر ومصلحة وطنيّين.

ومن الموقع المسيحيّ تلفحنا ريح سموم مشابهة، ولو كان ضررها أقلّ وخطرها أضعف. فبين عبارات التشهير التي تتعاقب على رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام والمرشّحين لعضويّة حكومته الموعودة، طارق متري وغسّان سلامة، تطلّ، بين فينة وأخرى، عبارة هجائيّة مفادها أنّهم كانوا ذات مرّة «يساريّين». وغالباً ما ينساق حامل هذا «النقد»، وهو ما يحصل اليوم، إلى نبش عبارة قيلت قبل خمسين أو ستين عاماً للبرهنة على وجود «طابور خامس» بيننا. وقد يكون للكثيرين مآخذ جدّيّة على الطريقة المعمول بها في تشكيل الحكومة العتيدة، أو ربّما على الأسماء المذكورة أو أسماء سواها، إلاّ أنّ هذا المأخذ تحديداً يقول عن صاحبه أكثر كثيراً ممّا يقول عن المُستهدَفين به.

وليس مُوقّع هذه الأسطر بحاجة لأن يبرهن أنّه غير يساريّ، لكنّ المعنى الوحيد لهذا «النقد»، وهو مكارثيّ تعريفاً، أنّ عيب المنقود يكمن في أنّه ليس «مثلنا». ذاك أنّ واحدنا، «أصيل» و»أصليّ» (من مواصفات الأحصنة)، وهو وُلد هكذا وسار على بركة الله، من دون أن يفكّر أو يجرّب أو يعاني أو يسعى أو يتغيّر. فوعيه، بالتالي، آليّ (أتوماتيكيّ) موروث عن أب وعن جدّ، تماماً كما ورث الشاعر الجاهليّ قبيلته غُزيّة، يغزو إذا غزت ويرشد إذا رشدت.

والحال أنّ سياسة الصدّ هذه تحول دون تطعيم الهواء الثقافيّ والفكريّ، المتمحور حصراً حول الاستقطاب الطائفيّ، بأيّة نسمة منعشة تهبّ من خارج عالمنا الصغير وشتائمه الكبيرة. فالأبرشيّة الضيّقة هذه لا تمنح صاحبها أيّة تجربة خاصّة به تتيح له إغناء جماعته المكتفية ذاتيّاً بهويّة واثقة، وهذا علماً بأنّ الاكتفاء الذاتيّ المديد غالباً ما يصيب المكتفي ذاتيّاً بالتعفّن. فوق هذا، يعلن الوعي الطائفيّ الجاهز والمكتمل بَرمَه بالتعدّد الذي يقول، في مناسبات أخرى، إنّه متمسّك به. فالمقبول، مجدّداً وللمرّة الألف، هو أن يكون الآخرون مثلنا تماماً، لا في أفكار ورثوها فحسب، بل أيضاً في تواريخ شخصيّة لم تسجّل أدنى شذوذ عن تلك الوراثة ومفاعيلها.

وهذا الوعي، فضلاً عن فئويّته التي تريد أن تثبّت الآخرين على صورتها ومثالها، وعي خرابيّ ومضادّ للنفع هو الآخر. يكفي لإدراك ذلك أن نستعيد ذاكرة الحروب الأهليّة القصيرة والبعيدة، والدور الذي لعبه فيها فرض صورة واحدة على الجميع.

إنّ أحد أردأ أشكال الوعي اللبنانيّ يقيم هنا للأسف، وهو، للأسف أيضاً، أحد أكبر القواسم المشتركة بين طوائف البلد المتنازعة.

arabstoday

GMT 17:22 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

وهل كنا نعيش في المدينة الفاضلة؟!

GMT 17:21 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حكاياتي مع السيجارة

GMT 15:26 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

ترامب في الجامع.. رسالة التسامح والسلام

GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)

GMT 15:20 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

إنقاذ سوريا

GMT 10:33 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

آخر اختبار لأخلاق العالم

GMT 03:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

حياة عادية

GMT 03:09 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

ياسمين حسان ياسين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا

GMT 02:41 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

هذه القصة المُحزنة

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab