إيران ثورة ضدّ ثورة

إيران: ثورة ضدّ ثورة...

إيران: ثورة ضدّ ثورة...

 العرب اليوم -

إيران ثورة ضدّ ثورة

بقلم - حازم صاغية

مفهوم الثورة، أقلّه في الزمن الحديث، واسع ومطّاط، بل متضارب. التعريف الجامع المانع للثورة لزوم ما لا يلزم. حتّى داخل التأويلات الماركسيّة، وهي أكثر النظريّات الثوريّة سعةً وتأثيراً، يمكن العثور على معانٍ متنافرة، معظمها ناجم عن طبيعة البلد المعنيّ وتركيب اقتصاده، وبعضها يتعلّق بمواصفات النُخب الثوريّة نفسها.
في روسيا القيصريّة والفلّاحيّة، وسّع لينين والبلاشفة المفهوم الماركسيّ لـ«ديكتاتوريّة العمّال»، التي يُفترض أن تقيمها الثورة، ليغدو «ديكتاتوريّة العمّال والفلّاحين». في الصين، الفلّاحيّة جدّاً، قدّم ماو تسي تونغ، لا سيّما بعد مذبحة 1927 التي نزلت بالشيوعيّين، الفلّاحين على العمّال، عمليّاً إن لم يكن نظريّاً. لاحقاً، وكاقتراح للمجتمعات الرأسماليّة المتقدّمة، رأى الفيلسوف الألمانيّ الأميركيّ هيربرت ماركيوزه، أنّ الطبقة العاملة فقدت طاقتها الثوريّة؛ لأنّ الاستهلاك دمجها بالنظام الرأسماليّ. هذه المقدّمة التي لازمت أفكار مؤسّسي «مدرسة فرانكفورت»، وماركيوزه أحدهم، طوّرها تصوّراً لثورة ينتجها المثقّفون والطلّاب والجماعات المهمّشة اجتماعيّاً وإثنيّاً. أمّا الكاتب الفرنسيّ ريجيس دوبريه، وبنتيجة تفاعله مع الثورة الكوبيّة، فدافع عن «البؤرة» الثوريّة في حرب العصابات، بديلاً عن الحزب اللينينيّ الطليعيّ. نظريّة دوبريه هذه قُدّمت بوصفها «ثورة في الثورة»، كما قال عنوان كتابه الأكثر شهرة. وبدوره، رأى الكاتب والطبيب المارتينيكيّ فرانس فانون، في قراءته الثورةَ الجزائريّة، أنّها خلاصة جهد عنفيّ يبذله الفلّاحون وعمّال المدن والعاطلون عن العمل، وقد تنضمّ إليهم البورجوازيّة الوطنيّة، وإن ظلّت مرشّحة للانقضاض على الثورة بعد أن تبلغ السلطة.
من موقع آخر مغاير، ذهبت عالمة السياسة الألمانيّة الأميركيّة هنه أرنت إلى تفضيل الثورة السياسيّة، كما جسّدتها الثورة الأميركيّة، على الثورة الاجتماعيّة، كما عرفتها فرنسا في 1789، ثمّ روسيا في 1917. أرنت انحازت أيضاً إلى صيغة المجالس الشعبيّة المنتخبة، شريطة عدم إخضاعها لحزب مركزيّ، ولآيديولوجيا قاطعة ومُبرَمَة.
وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي، قدّمت أوروبا الوسطى والشرقيّة نموذجاً في الثورات شديد الاختلاف عن التجارب الفرنسيّة والروسيّة والصينيّة وشبيهاتها: هنا حلّت السلميّة محلّ العنف، وغاب الحزب والآيديولوجيا، كما رُفض الصراع الطبقيّ بوصفه محرّك الثورة...
وفي سنتها الأولى حاكت الثورات العربيّة، إلى حدّ بعيد، تجارب أوروبا الوسطى، لكنّ القمع الذي واجهته وما ترتّب عنه من عسكرة للصراع، غلّبا الحرب الأهليّة العنفيّة على الديناميّات المدنيّة والسلميّة.
في هذه الغضون، وبين تلك التواريخ، شهدت إيران ثورتها في 1979. ففي ظلّ قيادة آية الله الخمينيّ استولت ثورة رجال الدين على السلطة، وأقامت نظاماً استبداديّاً متجهّماً في السياسة كما في الثقافة والقيم، وفي الداخل كما في العلاقة مع الخارج. النظام الثوريّ الجديد افتُتح بالسطو على السفارة الأميركيّة في طهران، وبإعلان «ثورة ثقافيّة» تستأصل تأثيرات الغرب من التعليم والثقافة، علاوة على إطلاق العنان لعنف يهدّد المنطقة بالتفكيك، بذريعة تثوير هذه المنطقة وأسلمتها. حصل ذلك بالاستفادة من الحماقة الدمويّة الكبرى التي ارتكبها صدّام حسين بحربه على إيران. المرأة والحرّيّة حُبستا، في هذه الثورة المناهضة للإمبرياليّة، في أقفاص كثيرة، وفي وقت لاحق انطلقت نوازع التوسّع الإمبراطوريّ من كلّ عقال، مصحوبة بتورّم نرجسيّ للأنا عبّر عنه المشروع النوويّ.
في البلد نفسه، إيران، انطلقت قبل أيّام ثورة أخرى قدّمت النموذج النقيض تماماً لما حصل في 1979: المرأة والحرّيّة احتلّتا الصدارة. أشباح الإمبرياليّة ومكافحتها رُميت طعاماً للجراد، مصحوبةً برموز العهد الذي نشأ في 1979، وبصوره وشعاراته.
وهي بالطبع ثورة قد تنهزم، إلا أنّ هذا لا يلغي نجاحها في تقصير عمر النظام، وفي الإعلان عن شيخوخة ثورته الأولى. لقد تحدّت الأساسيّات الآيديولوجيّة والتنظيميّة التي قامت عليها ثورة 1979 واستند إليها نظامها، وقالت كم أنّ مفهوم الثورة، وفي البلد نفسه، يمكن أن يحمل معاني متناقضة، بما فيها مَعنيا ترسيخ العبوديّة وطلب الحرّيّة.
الفارق الزمنيّ بين الثورتين 43 سنة فقط، جُرّبت فيها الثورة الأولى بما يكفي، وانتهت إلى الإخفاق العريض الذي تتخبّط فيه اليوم. وهي 43 سنة انهار فيها النظام العالميّ القائم، وتعولم الاقتصاد، وأتيحت المعرفة بالعالم على نحو أكبر، كما زاد الطلب على الحرّيّة والمساواة، لكنْ من جهة أخرى، وجزئيّاً بسبب تلك الثورة، انبعثت الهويّات من كلّ نوع، وخيضت حروب، وتعاظمت مآسٍ، لكنّ الفارق الزمنيّ ذاك، الذي حاولت طهران أن تصدّ نفسها عن الكثير من مفاعيله، يبقى هزيلاً بالقياس إلى الفارق في المعاني والأهداف، الذي يعادل مئات السنوات، وربّما أكثر.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ثورة ضدّ ثورة إيران ثورة ضدّ ثورة



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 23:24 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية
 العرب اليوم - غارات مسيرة تستهدف قيادات القاعدة في شبوة اليمنية

GMT 15:46 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - علماء يكتشفون مفتاح إطالة عمر الإنسان عبر الحمض النووي
 العرب اليوم - أنباء انفصال هنادي مهنا وأحمد خالد صالح تثير الجدل من جديد

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 03:55 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الشرع في واشنطن ضمن زيارة رسمية يجتمع خلالها مع ترامب

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 11:15 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيفا يطلق جائزة للسلام وسط توقعات بفوز ترامب

GMT 11:55 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

"أوبن أيه آي" تسارع لطمأنة المستثمرين بشأن وضعها المالي

GMT 14:33 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

8 وصفات طبيعية لإزالة السموم ودعم وظائف الكلى

GMT 19:39 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 07:13 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 08:23 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج​ اليوم السبت 08 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

GMT 12:00 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روبوت يرسم خرائط ثلاثية الأبعاد في ثوانٍ لأماكن الكوارث

GMT 13:38 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان وتودي بحياة مواطن

GMT 08:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تتأثر الأبراج الفلكية على طريقة تعبيرها عن المشاعر

GMT 22:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبدأ تقليص استدعاءات جنود الاحتياط

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab