حروب مكروهة وحلول مطلوبة

حروب مكروهة وحلول مطلوبة!

حروب مكروهة وحلول مطلوبة!

 العرب اليوم -

حروب مكروهة وحلول مطلوبة

بقلم - حازم صاغية

 

في 1948 نشبت الحرب الأولى بين دولة عبريّة ولدت للتوّ ودول عربيّة استقلّت للتوّ. وبمعنى ما، دارت المعارك بين ميليشيا صهيونيّة وجيوش نظاميّة سبعة يتربّع في قيادتها السياسيّة أعيان محافظون. وتعاقبت في 1956 و1967 و1973 الحروب بين الدولة العبريّة نفسها ودول عربيّة أطيح أعيانها وسياسيّوها واستولى عسكريّوها على الحكم قبل أن يؤمّموا السياسة. ثمّ في 2006، كما في يومنا الراهن، خيضت الحرب وتُخاض فيما طرفها العربيّ، اللبنانيّ والفلسطينيّ، ميليشيات إسلاميّة غير دولتيّة بالكامل.

في هذا الانتقال من محافظي 1948 إلى عسكر 1967، ثمّ إلى ميليشيات 2006 واليوم، كانت تحصل انتقالات موازية كثيرة، سياسيّة وطبقيّة وثقافيّة وديموغرافيّة، وطبعاً إيديولوجيّة، وكان سكّان تلك البلدان ينتقلون أيضاً من مجتمعات تتشكّل (1948)، إلى مجتمعات تُعاقَب بالقمع (1956 – 1973)، إلى مجتمعات تتحارب في ظلّ صعود الهويّات وتمدّد الشعبويّات الدينيّة وانحسار قدرة السلطات المركزيّة على الضبط، أكانت السلطات تلك متجبّرة (سوريّا والعراق البعثيّين) أم لم تكن (لبنان).

ما يهمّنا هنا أنّ انحسار مشروع بناء الدول والمجتمعات، وهو الوجه الآخر لتنامي قوّة الحركات الميليشيويّة كـ «حزب الله» و»حماس»، خلّف تأثيرات عدّة على الحروب مع إسرائيل، بل على إجماليّ السلوك العنفيّ الذي تسلكه إسرائيل. ذاك أنّه في مواجهة قوى غير دولتيّة، وغير قانونيّة بالتالي، يغدو ضبط الدولة العبريّة بالقانون الدوليّ وإملاءاته مهمّة صعبة، وهي كما نعلم أكثر دول الأرض تمرّداً على القانون واستخفافاً به. هكذا يصبح لجم عدوانيّتها، أكانت هجوميّة أم دفاعيّة، أعقد تنفيذاً وأضعف تبريراً، كما تروح أرقام الضحايا ترتفع وتتضخّم على طريق إلزامها بالقانون.

ومع أنّ الميليشيات الاستيطانيّة والانشقاقات المجتمعيّة أضعفت الوجهة الإسرائيليّة هذه ولا تزال تُضعفها، بقي أنّ الغالب في سلوك الدولة العبريّة منذ 1948 مُعاكستُه لوجهة بلدان المشرق العربيّ. فهناك حلّ الانتقال من الميليشيا الصهيونيّة، ممثّلةً أساساً في الهاغانا، إلى الجيش الذي بقي محكوماً بالقرار السياسيّ دون أن يستولي على الحياة السياسيّة أو يعطّلها. وهي العمليّة التي يرى البعض ذروتها في قرار ديفيد بن غوريون قصف سفينة «ألتالينا» ولم يكن قد مضى غير أسابيع على تأسيس إسرائيل، ومن ثمّ إخضاع تنظيم «إتسيل» الجابوتنسكيّ الذي كان مصرّاً على الاحتفاظ بسلاحه المستقلّ.

والمقصود هنا أنّ خطّين لعينين تعاكسا في منطقتنا، وكان الصراع بذاته يضاعف ما فيهما من لعنة: واحد إسرائيليّ انطلق من الميليشيا ليغدو جيشاً متقدّماً عسكريّاً وتقنيّاً، يتوحّش في الخارج من غير أن يُخلّ بالسياسة في الداخل، وآخر ساد المشرق العربيّ فتوحّش على بشره أنفسهم وعلى السياسة في داخل بلدانه، كما ورث ضعف النسيج الاجتماعيّ وحوّله إلى صراع مفتوح، إلاّ أنّه مع هذا لم يحقّق أيّ نجاح يُذكر في الخارج. هكذا سقطت، بموجب الخطّ الأخير، المحاولة التقليديّة التي أعقبت الاستقلالات لبناء الدول، ثمّ جاء العسكر ليستولي على السلطة معتبراً أنّ «القضيّة» تعفيه من المطالبة بتبرير لا شرعيّته، وهذا قبل أن تستحوذ اللادولة، ممثّلةً بالميليشيات، على عصب السلطة، وقبل أن يزداد ضمور الشرعيّة، على يدها، ضموراً.

والآن ربّما جاز لنا أن نقول، وقد شهدنا ما شهدنا من أهوال ودم، أنّ المنطقة، بما فيها قضيّة الحقّ الفلسطينيّ، تتطلّب قيام دول محترمة ومنتخبة، تستعيد الدول التي اغتيلت في بداياتها، بُعيد الاستقلالات، لكنّها تكون أفضل منها تمثيلاً لسكّانها وتعبيراً عن حراكاتها المجتمعيّة، كما تملك صوتاً أعلى في مخاطبة العالم من داخل إجماعاته وتوافُقاته. وعلى رغم الاختلاف في الظروف والشروط، فهذا إنّما ينسحب أيضاً على فلسطين نفسها. ذاك أنّه رغم كثافة الدم التي تحجب المشهد اليوم، قد يأتي للسياسة يوم ما يبدو الآن مستبعَداً أو مؤجّلاً. فإذا تحقّق ذلك، تبدّت الدولة الفلسطينيّة شرطاً شارطاً لأيّ علاج ممكن.

فهل تدور الدائرة، إذا أزفت السياسة والحلول غداً أو بعد غد، على الطرفين اللذين يعارضان السياسة، أي يعارضان الدولة الفلسطينيّة من ضمن صيغة الدولتين الفلسطينيّة والإسرائيليّة، وهما من جهةٍ، المستوطنون اليهود الذين يحول تمدّدهم وتمدّد مستوطناتهم دون قيام أيّة دولة غير يهوديّة، فيما هم لا يطرحون على الفلسطينيّين إلاّ «حلولاً» تبدأ بالترانسفير وتنتهي بالاجتثاث، ومن جهة أخرى، حركة «حماس» التي تعارض الدولة وتناهض فكرة الدولتين بذريعة التحرير «من البحر إلى النهر»؟

لقد قيل كثيراً أنّ السياسة هي «لعب في الوسط واستبعاد للنقائض المتطرّفة»، وفي الحالة الفلسطينيّة لا يكون ذلك إلاّ باعتماد صيغة الدولتين واسترجاع المبادرة إلى الوسط. لكنّ المهمّ الآن أن يتشكّل هذا الوسط وأن يسارع في تشكّله.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب مكروهة وحلول مطلوبة حروب مكروهة وحلول مطلوبة



GMT 07:17 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

جامعات أمريكا وفرنسا

GMT 07:22 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 07:28 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 01:01 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الثالثة غير مستحيلة

GMT 00:33 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

بريطانيا... آخر أوراق المحافظين؟

GMT 07:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 00:30 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

الإعلام البديل والحرب الثقافية

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:50 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نهاية مقولة «امسك فلول»

GMT 07:21 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نجح الفنان وفشل الجمهور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab