لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة

لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة!

لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة!

 العرب اليوم -

لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة

بقلم:هدى الحسيني

منذ قيام دولة لبنان قبل أكثر من مائة عام لم ينعم البلد الصغير باستقرار مستدام، بل انفجار تلو انفجار، وبينهما هدنات ينعم فيها الناس ببعض من الهدوء. وقد كان هذا موضوعاً استفاض في نقاشه والكتابة عنه كثيرون في علم السياسة والاجتماع، وأغلبهم توصلوا إلى أن السبب الأساس في لعنة هذا البلد هو النظام الطائفي الذي أنتج مجموعة شعوب تعيش في دولة، وكل شعب لديه ولاء لدولة خارجية تحميه وتذود عنه، أو هكذا يعتقد. وفترات الهدوء التي نعم بها اللبنانيون أو الهدنات بين الانفجارات لم تحصل لاتفاق الشعوب على العيش المشترك، بل لتغيير خارجي لدى دول الرعاية أوجب الاتفاق، ولعل الاستثناء الوحيد كان يوم استشهاد رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي وحّد الغالبية من شعوب لبنان الذين قاموا بثورة الأرز.
وعلى الرغم من اللااستقرار اللبناني الذي استمر منذ نشأة الكيان، فلقد استطاع هذا البلد البقاء والاستمرار، فبعد كل انفجار وخلال فترات الهدنة، كان يقوم بإعادة بناء ما تهدم ويسعى بجهود، في الغالب فردية، للحاق بتطورات التكنولوجيا والأنظمة المتبعة عالمياً في نمو ويلمع في فترة قصيرة.
إلا أن ما يحدث في لبنان اليوم ليس كما سبق. فليس في عالمنا رجل اسمه جمال عبد الناصر احترم خصوصية البلد وتفاهم مع رجل دولة اسمه فؤاد شهاب. وليس هناك منظمة تحرير أقامت دولة ضمن دولة لبنان وأساءت التصرف في الكثير من الأحيان، ولكنها لم تستطع أو لم ترد أن تجعل لبنان بلداً بديلاً لفلسطين. وحتى الرئيس السوري حافظ الأسد الذي احتل لبنان بتوافق دولي عربي واستباحت استخباراته الكثير من لبنان بالقتل والتنكيل والإرهاب، فإنه حافظ ولو ظاهرياً على كيان الدولة بدستورها ومواثيقها ومؤسساتها وأنظمتها. لكن ما يحدث في لبنان اليوم هو مختلف وبالتأكيد أخطر وأدهى مما حدث في السابق. إنه مخطط مدروس وأصبح واضحاً لهدم الكيان بالكامل ليعاد بناؤه على أسس جديدة لا تمت بصلة لما كان عليه البلد الصغير. هذا المخطط وضعه بأدق تفاصيله النظام الإيراني الذي أنشأ ذراعاً لبنانية له اسمها «حزب الله» للقيام بالتنفيذ، عدا عن ذلك سيبقى مجرد أوهام وتمويه للحقيقة.
المخطط الإيراني أزال كل فكر ومخطط ومسعى لوجود دولة. فاغتال قيادات كانت تعمل على استمرار المؤسسات وتطويرها. وقطع علاقات لبنان بمحيطه العربي، وشوه سمعته التجارية، وتحالف مع المفسدين في الأرض وكل من يساهم في هدم هيكل الكيان بمختلف أركانه السياسية والأمنية والمالية والاجتماعية. وما التحالف مع الجنرال ميشال عون سوى مثال على ذلك، فالرئيس السابق لم يملك أي فكر أو مخطط لتطوير الدولة وكان لديه هاجس أوحد وهو الوصول إلى سدة الرئاسة بأي ثمن، فكان هو المرشح الأمثل لإيران لتحقيق هدف تحطيم الكيان. وحتى خليفته الصهر جبران باسيل الذي يتكلم جهاراً عن اللامركزية الإدارية والمالية ويلمح ضمن أوساطه إلى أمن ذاتي للمناطق، فإنه في هذه المرحلة جل ما يناسب مخطط إيران لأنه يساهم في هدم الكيان الذي سيعاد تكوينه ليصبح «جزءاً من الدولة الإسلامية الإيرانية التي يحكمها بالحق صاحب الزمان ونائبه الولي الفقيه».
ولكن على الرغم من كل مشاكل الكيان وعقم النظام الطائفي ويأس اللبنانيين من مستقبل واعد مستقر وهجرة الكثيرين، فإن هناك ما يشد أغلبهم إلى أرضهم وماضيهم، مثال الوقوف لساعات في طوابير الاقتراع في بلدان الاغتراب هو أكبر دليل على ذلك. وهناك عامل آخر ولعله الأهم وهو تضعضع الداخل الإيراني صاحب مشروع هدم الكيان اللبناني، وبسيط من يعتقد أن أحداث إيران الحالية هي أمر عابر.
وفي اتصال مع جاكوب هيلبرون، رئيس تحرير «ذي ناشيونال إنترست»، وهي مطبوعة مقروءة من قِبل صناع القرار في «الكابيتول هيل» ولها وزنها المؤثر، وزميل متقدم في «المجلس الأطلسي»، قلت له إن ديفيد هيل المسؤول السابق في وزارة الخارجية قال للبنانيين إن بلادهم ليست أولوية أميركية، وهذا بمثابة الموسيقى في آذان «حزب الله» وإيران فماذا تقول؟ يجيب: إن هذا خطأ؛ لأن لبنان يبقى مفتاح السلام في الشرق الأوسط لمستقبل إسرائيل. أسأل: تعرف أن «حزب الله»، الذي يمثل أهم جناح مسلح لإيران منذ ثورة الخميني في عام 1979، يقدم تقاريره بالطبع إلى إيران، ماذا لو استولى على كل لبنان، فهل سيلتزم المجتمع الدولي الصمت هو أو إسرائيل؟ يقول: تعرفين أن إسرائيل تهدد بقصف مطار بيروت إذا ما أرسلت إيران أسلحة في الطائرات المدنية إلى الحزب، ثم إن إسرائيل مستمرة بقصف سوريا. لا أعتقد أن إسرائيل سلبية في هذا الخصوص. أما أميركا فإنها تركز على أوكرانيا، والشرق الأوسط كله ليس أولوية عندها. أسأل: وهل تعتقد أن الموالين لإيران يتابعون الوضع هناك بقلق خاصة منذ تزايد المظاهرات ضد نظام الملالي، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين الإيرانيين، وهل تعتقد أن «حزب الله» بينهم؟ يقول: يجب أن يكونوا قلقين، فإذا تمت الإطاحة بالنظام في إيران فسينتهي الدعم الخارجي للحزب، وسنرى تغييرات دراماتيكية في المنطقة.
وهل هناك إمكانية للإطاحة بالنظام الإيراني؟ نعم... يجيب. لماذا؟ لأن النظام فاسد وتنقصه الشرعية، ونقطة الفصل تأتي عندما يفقد ثقته بنفسه، وما دامت المظاهرات مستمرة ومنتشرة فإن التغيير لا بد آت، لأنه لا يمكنه الاستمرار بالقمع إلى الأبد. وأسأل: وما سيكون البديل؟ ستعم الفوضى ربما. وهل تقصد أن كل الشرق الأوسط ستعمه الفوضى؟ يجيب: كلا ليس بالضرورة. تذكري عند الإطاحة بالشاه كان الوضع فوضوياً جداً. الآن لا وجود لنوع المعارضة التي كانت عام 1979، وكانت منظمة نوعاً ما. لكن اليوم آت.
أسأل: هل تعتقد أنه إذا أخذ اليوم وقتاً طويلاً ليصل، هل من احتمال أن نرى إيران نفسها معرضة لضربة عسكرية أميركية؟ نعم... وهذا يعتمد على ما إذا كانت إيران ستهاجم القوات الأميركية في الشرق الأوسط، والمدى الذي تتعاون فيه مع روسيا ضد أوكرانيا. إن النظام الإيراني يرتكب خطأ كبيراً في اصطفافه إلى جانب روسيا.
إلى أي مدى ستستمر أميركا في المراقبة؟ يقول هيلبرون: إنها تراقب الآن ولن تتحرك إلا إذا قصفت إيران سفناً أميركية أو جنوداً.
أقول: أنا أقصد تراقب العلاقة بين إيران وروسيا تنمو؟ تعرفين أن الأوروبيين والأميركيين قلقون من محاولة إيران إقامة علاقة متشعبة، وخصوصاً بإرسالها خبراء إيرانيين ليدربوا قوات روسية . لذلك أعتقد أن الاحتمال الأساسي أن تضاعف أوروبا عقوباتها على إيران وتتخذ موقفاً أكثر حدة، ثم هناك المسألة النووية التي ستخيم كثيراً الآن وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل. أسأل: هل تقصد أننا سنراها تغيب عن الرادار؟ كلا أبداً... ستصبح بارزة أكثر وسيشن الجمهوريون هنا حملات على الرئيس جو بايدن؛ لأنه لين جداً تجاه إيران. ثم سيكبر احتمال الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
هل ما زلتم تنظرون إلى روسيا كقوة عظمى خصوصاً وهي تستعين بالمسيّرات الإيرانية والخبراء، وكيف أن جيشها مضعضع وضعيف؟ يجيب هيلبرون: إن روسيا قوة عظمى فاشلة، والحرب كشفتها كعملاق يرثى له، وستحتاج إلى عقود لتخرج من هذه الكارثة. الوضع الروسي في الشرق الأوسط ضعف أيضاً. احتاجت موسكو أن تنقل قواتها من سوريا ليقاتلوا في أوكرانيا، وأيضاً لقد ثبت أن فاعلية أسلحتها أسطورة. إنها ليست قوة عسكرية عظمى. إنها قوة جوفاء.
أسأل: هل تعلم أن عملاء «حزب الله» اللبناني بدأوا في شق طريقهم إلى طهران؟ يجيب: هذا لا يفاجئني.
وماذا سيكون رد الفعل الأميركي؟ يقول: أعتقد أن أميركا تدرس ما ستقوم به من وراء الستارة وليس على المكشوف. بعد الحرب العراقية لا قابلية للتورط مباشرة في هذه الصراعات. سيزداد دعم الرأي العام لعمل شيء ضد النظام الإيراني. أسأل: إذن لا موقف أميركيا من وقوف «حزب الله» إلى جانب الباسيج في إيران؟ الجواب: لن نتورط بطريقة مباشرة. لكن ألا تعتقد أن المظاهرات في إيران التي بدأت بها النساء هي الأخطر منذ نجاح ثورة الخميني وستنتشر؟ يجيب: بكل تأكيد. النظام غير قادر على المواجهة. لديك مجموعة من الرجال المسنين الذين لا يفهمون المجتمع، والمزيد من القوة التي تُستخدم تثير المزيد من ردود الفعل. لقد وقعوا في الفخ... إنهم محاصرون.
ألا تعتقد بأنهم يقتلون مستقبل إيران بقتلهم الشباب؟ إنهم يحاولون ولا أعتقد أنهم سينجحون.
نعود إلى الدور الإيراني إلى جانب روسيا، أميركا تدينه بالبيانات والأوروبيون ضعفاء؟ يقول: أتفق معكِ وآمل أن نصبح أكثر فاعلية، علينا أن نوقف شحنات الأسلحة من طهران إلى موسكو، وعلينا أن نكشف بعلانية أكثر التحالف الإيراني مع موسكو. وأعتقد أن هذه الخطوة الإيرانية ستبعد إسرائيل عن روسيا، وتدفعها إلى أن تكون أكثر نشاطاً في مواجهة إيران. من هنا أرى أن النظام الإيراني ارتكب خطأ في تحالفه مع روسيا ويبدو أنه ذاهب حتى النهاية.
وأسأل: ألا ترى أي مستقبل لروسيا في الشرق الأوسط بعد الحرب في أوكرانيا؟ يجيب هيلبرون: كلا. أعتقد أنهم سيزدادون ضعفاً دبلوماسياً وعسكرياً. رأيي: أن بايدن يشد الرباط على روسيا والغرغرينا قد بدأت. من المرجح أن تنهار روسيا نفسها في العام المقبل.
أقول: هذا يقودنا إلى سوريا ومستقبلها الغامض؟ هذا صحيح، يجيب، إذ لا يمكن لنظام بشار الأسد العيش بعد انهيار روسيا، ومن جهة أخرى فإن البلاد مدمرة جداً.
وهل نقول وداعاً سوريا؟ يجيب: لا، ولكن ستكون هناك اضطرابات كبيرة في الشرق الأوسط العام المقبل والسنوات القليلة المقبلة، في لبنان وإيران وسوريا وغيرها… إن حرب أوكرانيا مثل الفتيل الذي أشعله الروس، سوف تتسبب في انفجارات دولية. تأثير الحرب سيصل حتى الشرق الأوسط وأيضاً إلى آسيا وقضية تايوان.
أسأل هيلبرون: هل تعتقد أنه باستطاعة أميركا أن تعالج المسألتين الروسية والصينية معاً إذا تعرضت تايوان لهجوم؟ يؤكد: نعم، ذلك لأننا لا نقاتل مباشرة في أوكرانيا. وهل ستقاتلون مباشرة في تايوان؟ يقول: ربما نعم. أقول: إن هذا أمر خطير، ويأتي الجواب: نعم.
وهنا انتهى الحوار.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة لبنان ما زال أولوية أميركية ومفتاح السلام في المنطقة



GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب
 العرب اليوم - ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره
 العرب اليوم - النوم الجيد يطيل حياة الإنسان ويضيف سنوات لعمره

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
 العرب اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

أيهما أخطر؟

GMT 18:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

العرب واليونسكو

GMT 20:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مصر تنفي أي نقاش مع إسرائيل بشأن خطط اجتياح رفح
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab