بقلم : عبد اللطيف المناوي
«إيلى كوهين» هو أشهر وأهم جاسوس فى تاريخ إسرائيل. هذا الرجل سيكون محور أخبار كثيرة فى الأيام القادمة بعد أن أعلنت إسرائيل حصولها على الأرشيف الكامل الخاص بقضيته ومحاكمته وصولاً لإعدامه فى ساحة المرجة بدمشق يوم ١٨ مايو ١٩٦٥. هذا الأرشيف كان فى عهدة المخابرات السورية ويتضمن تفاصيل استجوابه واعترافاته والخطابات التى كتبها لزوجته نادية وأفراد عائلته قبل إعدامه. كانت إسرائيل تسعى وراء هذا الأرشيف منذ سنوات طوال، وباءت كل المحاولات بالفشل لأن تأمين وثائق بهذه الأهمية كان حديديًا. كل ما نجح فيه الموساد هو الحصول على ساعة اليد الخاصة بالرجل فى عام ٢٠٢١ فى إطار محاولات محمومة تضمنت تعاونهم مع الروس أثناء الوجود الروسى المكثف بالساحل السورى. تكمن أهمية إيلى كوهين فى أنه اندس داخل سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت وارتقى اجتماعيًا فى أوساط النخبة السورية وكوّن صداقات عميقة مع رموز السياسة والعسكرية فى دمشق، ويقال إن الرئيس أمين الحافظ كان يوشك أن يعينه وزيرًا فى الحكومة السورية!. ولأجل الأهمية الرمزية لهذا الجاسوس بالنسبة لإسرائيل فإن رؤساء الوزراء المتعاقبين سعوا لاسترداد رفاته وقاموا بتوسيط دول كثيرة، كما جرى بحث استخباراتى متصل لمعرفة مكان الدفن توطئة لشن هجوم على المقبرة واسترداد الرفات لكى تهدأ روحه الهائمة إذا ما قاموا بدفنه فى أرض الميعاد!.
تتحدث الصحف الإسرائيلية وتستفيض فى شرح صعوبة وتعقيد العملية الاستخباراتية التى كللت بالنجاح والحصول على ٢٥٠٠ وثيقة وصورة وتسجيل تضم كل ما وضعت الأجهزة السورية يدها عليه.
أنا بصراحة لا يداخلنى شك فى أن حكاية عملية الموساد الكبيرة هى كذبة سخيفة يريدون منها عزف نغمات جديدة من مقطوعة الموساد المخيف ذى اليد الطويلة التى تصل إلى أى شىء فى أى مكان، وأظن أن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، وقد دلت الشواهد التى رأيناها منذ ٨ ديسمبر الماضى على أن التعاون على أشدِّه بين الإسرائيليين وأرباب الحكم الجديد، وأن هذا التعاون يتضمن خضوع الجولانى ورفاقه للمشيئة الإسرائيلية مع غض الطرف عن الاجتياحات والغارات والعمليات الخاصة التى يقوم بها الجيش الإسرائيلى على التراب السورى، ولعل حالة الرضا التى رأيناها على وجه دونالد ترامب وهو يصافح رجل تنظيم القاعدة القديم وكلمات المديح التى أسبغت عليه صفات جديدة رائعة؛ تفسر أن حاكم سوريا الذى اعتلى مقعدها الرئاسى بتوافق أو بتواطؤ دولى ودون أى انتخابات، سوف يبذل كل ما فى وسعه ليحتفظ بهذا الرضا وسوف يكون مستعدًا لأن يقدم للسيد نتنياهو كل ما يريده فى مقابل كرسى الحكم. وإذا كان أبومحمد الجولانى أفقد سوريا جيشها فى أيام قلائل وشاهَد معنا على التليفزيون القواعد العسكرية والطائرات ومخازن الصواريخ وهى تُباد عن بكرة أبيها، فهل نصدق أن إسرائيل فى وجود الجولانى تحتاج لعملية مخابراتية لتحصل على أرشيف إيلى كوهين؟.. لقد طلبت إسرائيل الأرشيف بالحُسنى فحصلت عليه بالحسنى من خلال عملية نقل طوعى!