نبوءةُ الرجل المثقف

نبوءةُ الرجل المثقف!

نبوءةُ الرجل المثقف!

 العرب اليوم -

نبوءةُ الرجل المثقف

بقلم: فاطمة ناعوت

(جاء علينا حينٌ من الدهر كانت فيه كلمةُ «مثقف» تعنى «صاحب مقام رفيع». كان احترامُ الثقافة والمثقفين جزءًا لا يتجزأ من قِيم شعبنا وتقاليده الراسخة، بحيث إن عامة الشعب حين كانت تريد أن ترفع من قيمة المتعلم أو المثقف تميزه بكلمة «أفندى» وتُسمّى العامل الكفءَ المثقف «أُسطى» أى «أستاذ».
وذاك الحينُ من الدهر ظلَّ مستمرًّا طوال حياة الشعب المصرى، حين كان المثقف… من: «رفاعة رافع الطهطاوى» إلى «محمد عبده» إلى آخر كوكبة العقول المضيئة التى ظل مجتمعُنا ينظر إليها، مثلما ينظرُ إلى مصادر الضوء تُنير له وجودَه وحياته، ويرفعها إلى مستوى التبجيل العظيم والقيمة الخالدة.

ولم يكن حظُّ المثقفين من خريجى الجامعة المصرية بأقل؛ فقد كانوا علماءَ فى تخصصاتهم، وكانوا كذلك من كبار مثقفى عصرهم. والذين يُدهشون كيف كان الجرَّاحُ العظيم «على باشا إبراهيم» عضوًا مؤسِّسًا ومسؤولًا عن البرامج فى «المجلس الأعلى للإذاعة المصرية» عند إنشائها، ربما لا يعرفون شيئًا عن «على إبراهيم»: «المثقف» المُلمّ، العالِم. ولا أعتقد أن بلدًا من بلاد العالم جُبِل شعبُه على تقديس الثقافة والمثقفين مثل بلادنا.

إن المكانةَ التى رُفع إليها «طه حسين»، «العقاد»، «أحمد حسن الزيات»، «المازنى»، «محمود عزمى»، «سلامة موسى»، «توفيق الحكيم»، «نجيب محفوظ»، «حسين فوزى»، «لويس عوض»، «أحمد أمين»، «أحمد زكى»، «هيكل»، «مصطفى مشرَّفة»، «زكى نجيب محمود»، (وأضيفُ إليهم «يوسف إدريس»)، تُثبت أننا بالسليقة «شعبٌ يُقدِّس المعرفة والثقافة»، شعب فى أساسه متحضر وعميق الصلة بالقيم الحضارية العليا.. بل إن الاحترامَ الذى يحظى به «حكماءُ زمانهم» من الفلاحين الأُمِّيين والعمال وسكان النجوع والحارات، احترامٌ لا يمكن للإنسان أن يُخطئه إذا أُتيح له الاحتكاكُ الكافى بالحياة اليومية فى أقل مستوياتنا الاقتصادية والمعيشية.

ماذا إذن حدث فقلب أمورَنا رأسًا على عقب، حتى أصبحت كلمة «أفندى» تُقال للسخرية، وكلمة «مثقف» تُذكر من باب التوبيخ و«التريقة»، وكلمة «ثقافة» يتحسَّسُ لدى ذكرها بعضُ المواطنين أنوفَهم وكأنما هى شىء لا يُطاق؟! ماذا بالضبط حدث؟… دفعت «ثورة يوليو» ١٩٥٢ إلى الساحة الوجودية جماهيرَ غفيرةً من الطبقة المتوسطة والصغيرة التى كانت تحيا على هامش الحياة، ووفَّرت لها التعليمَ والماء والنور والمستشفيات، وفتحت لها أوسع المجالات للكسب، ولكنها أبدًا لم توفِّر لها ما هو فى رأيى أهم من هذا كله؛ وهو «الإشعاع الثقافى» الذى يُحيلها إلى كائنات متحضرة منظمة، ويجعلها كلما ارتقت اقتصاديًّا ترتقى سلوكيًّا وتعامليًّا وإنسانيًّا وفكريًّا. إن انعدام المحصول الثقافى للإنسان يجعل الدابّةَ أحسنَ منه. فالإنسانُ مزوَّدٌ بعقل لابدَّ أن يعمل.

وإذا لم يعمل فى اتجاه صالح، فسوف يعمل فى اتجاه خاطئ وربما إجرامى. إننا ننحدر ثقافيًّا وسلوكيًّا بدرجة خطيرة. والغوغائية، نتيجةً لانعدام الثقافة، تسودُ إلى درجة تُهدد فيها باكتساح وجودنا كله. ومع وجود هذه الكميات المخيفة من البشر فى هذا الحيِّز الضيق؛ فإننا ذاهبون إلى كارثة محقَّقة، لا قدر الله، إذا لم نُولِ رفع المستوى الفكرى والثقافى للشعب الأهمية القصوى الجدير بها. الثقافةُ أخطر من أن تكون من كماليات الحياة. الحياةُ نفسها هى الوجود المثقف للكائنات).

لعلّك عزيزى القارئ تشعرُ أنك قد قرأت تلك الكلمات من قبل. وصدقَ حدسُك. فهى قطوفٌ من مقال «أهمية أن نتثقف يا ناس»، الذى كتبه المبدعُ الإصلاحى الكبير الدكتور «يوسف إدريس» باكيًا على تدهور حال «الثقافة» فى الشارع المصرى قبل أربعين عامًا! كتبه بقلمٍ غاضب من عدم توقير المثقفين واحترامهم، على عكس ما دأب عليه الشعبُ المصرى طوال تاريخه! وغدا ذاك المقالُ الصارخُ عنوانًا وتصديرًا لكتاب شهير أصدره «يوسف إدريس» عام ١٩٨٤.

وما أشبه اليومَ بالبارحة! تحققت نبوءةُ الرجل «المثقف» وصارت «الثقافةُ» اليومَ مدعاةً لسخرية بشر يخطئون فى كتابة أسمائهم! شخصٌ يعجزُ عن كتابة جملة واحدة ناجيةً من أخطاء النحو والصرف والإملاء، لكنه قادرٌ، بكل جسارة، على سبّ وتحقير وتجهيل والسخرية من مثقفٍ كبير، أو مفكّر رفيع المقام، أو أديب مرموق يرافقه الإجلالُ والتوقير أينما ارتحلَ وحلّ فى محافل العالم! كيف سمحنا بهذا؟! أرفعُ إصبعَ الاتهام فى وجه الثقافة التى لم توقّر مفكرينا ومثقفينا، واستبدلت بهم مَن يساهمون فى تفريغ العقل المصرى وتكريس هشاشته. ما أحوج «الجمهورية الجديدة» إلى إعادة بناء بيت العقل المصرى، لعلّنا ننجو!

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نبوءةُ الرجل المثقف نبوءةُ الرجل المثقف



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab