دماء بريئة على شاطئ غزة

دماء بريئة على شاطئ غزة

دماء بريئة على شاطئ غزة

 العرب اليوم -

دماء بريئة على شاطئ غزة

بقلم:ممدوح المهيني

مَن يريد أن يشعر بالإحساس الجيد عن نفسه عليه أن يختار قضية عادلة ومحقة ويردد الشعارات، ولكن من دون أن يدفع ثمنها. مَن يدفع الثمن شخص آخر.

هذا ما يحدث بالضبط في غزة، حيث يدفع أهلها من دمائهم، ولكنَّ هذا الدم النازف لا يكفي لصاحب هذه الشعارات الذي يدعو لمزيد من الدمار بشرط ألا تصل إلى بيته، ولمزيد من التضحيات بشرط ألا تكون بين عائلته، ولمزيد من التحمل والتصبر بشرط أن يكونا بعيداً عنه، فهو لا يتحمل فقدان هاتفه لساعات أو خسارة متابعيه على وسائل التواصل. ما أسهل أن تكون بطلاً على حساب الآخرين وتُظهر الشجاعة وأنت أمام الكيبورد ولست تحت القصف العنيف، وما أسوأ أن تستخدم آلام الضحايا آلية نفسية للتطهر الذاتي وإشباع النفس، أو من أجل الشهرة أو المال أو خدمة عقيدة فكرية ومشروع سياسي.

ونعرف الكثيرين من الذين يطالبون بمزيد من التضحيات وهم يقضون أوقاتهم في اللهو وجمع الأموال والسفر والشهرة ولا تفوتهم آخر الموضات باهظة الثمن. وفي الوقت الذي يتلطخ شاطئ غزة بالدماء البريئة، يقضون هم أوقاتهم على الشواطئ المشمسة الخاصة التي تتعالى فيها الضحكات وأصوات الموسيقى. يعيشون حياة طيبة وسعيدة (وهذا من حقهم)، ولكنهم يرفضونها لأهل غزة.

لماذا؟ هل دماؤهم وجيناتهم أقل من دمائكم وجيناتكم؟ لا. هل حرام عليهم أن يعيشوا حياة طبيعية مثل بقية البشر؟ لا. أليست لديهم أحلام وطموحات لأنفسهم ولأطفالهم؟ بالتأكيد بلى. كل هذه الأشياء الغريزية الطبيعية التي نريدها كلنا وأهل غزة، مثل بقية البشر، يستحقونها.

لكنَّ المزايدين لهم وجهة نظر أخرى. إنهم بحاجة إلى معاناة آخرين بعيدين عنهم حتى يشعروا بأنهم في حال أفضل (حتى لو لم يدركوا ذلك). يستخدمونهم شعاراً كي يشعروا بالرضا عن أنفسهم. لديهم كل شيء ولكنهم يفتقدون شيئاً ما يجعلهم يشعرون بأنهم مناضلون وأصحاب قضية حتى لو كان أصحاب القضية الأصلية نفسها يصرخون ويستغيثون كل يوم ويريدون النجاة بحياتهم ويطالبون بوقف هذه الحرب الإسرائيلية الوحشية الرهيبة رحمةً بهم.

إن نهاية معاناتهم ستجعل المزايدين في حيرة من أمرهم، ولكنها حيرة لن تطول. المزايد بطبيعته سيجد دائماً شيئاً يصور فيه نفسه أنه أفضل من الآخرين الخونة والعملاء. وهم لا يكتفون بطلب من أهل الضحايا أن يصمدوا حتى لو خسروا كل أطفالهم وأموالهم وتهدمت بيوتهم ولكنهم يُلقون التهم على الآخرين لأنهم فقط يطالبون بإنقاذ أهل غزة (أو ما تبقى منهم).

شكوى أي أحد من أهل غزة، ورغبته في إنهاء الحرب والمحافظة على مَن تبقى من أفراد عائلته والعودة إلى منزله بسلام حتى لو كان مهدماً، كأي إنسان، ستجعله عرضةً للهجوم والتخوين من هذا المزايد الذي يعيش بعيداً عنه آلاف الأميال آمناً في منزله وبين أطفاله الذين يدرسون في أفضل المدارس ويحصلون على تأمين صحي شامل. هذه المزايدة في أعلى مستوياتها: مسفوك الدم والمقتول والمشرد أصبحوا خونة وعملاء، والآمن البعيد أصبح النبيل والشريف. ولكنَّ شاباً من غزة يعيش في العراء منذ أشهر ويهجَّر من مكان لآخر لا يستحق أن يحافظ على حياته ولا يُسمح له بأن يطلب أن يعيش بسلام ورخاء مثل غيره. مقتله هو الشيء الذي سيعطيه صك البراءة من الخيانة. حياته تحولت إلى «تريند» يستخدمونه لساعات ثم يستأنفون حياتهم ومتعها التي لا يمكن الاستغناء عنها من متابعة المباريات إلى مشاهدة «نتفليكس». أسهل شيء في الحياة أن تنفق مال الآخرين وتتاجر بدماء الآخرين وتضحّي بأطفال الآخرين. الآخرون مجرد بضاعة وسلعة تُستخدم لوقت قصير ثم تُرمى في سلة المهملات بعد أن تستنفد أغراضها. أصحاب الأجندات يرون أنها تخدم مشروعهم وآيديولوجيتهم، والساسة الشعبويون يعتقدون أنها ترفع من أسهمهم وتحقق لهم مناصب ومكاسب، والمشاهير تحقق لهم مزيداً من الجماهيرية، والمؤثرون تزيد من متابعيهم وترفع قيمة عقودهم، والمحللون العسكريون والإعلاميون تحشو جيوبهم بالمال الملطخ بالدم. وجميعهم سينسون بعد وقت قصير الأم الغزية التي فقدت طفلها بعد أن استثمروا بمعاناتها المؤلمة، كل واحد لهدفه الخاص. وبينما ستعيش مكلومةً على ذكرى وصورة لا تغادر مخيلتها سيتفرقون سريعاً ويبحثون عن ضحية أخرى، وبعضهم سيذهب إلى الشواطئ المشمسة ليكمل الحفلة التي ما زالت في بدايتها.

arabstoday

GMT 04:54 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

فوق سور الصين

GMT 04:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

المُتنبّي ولامين يامال!

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

هل ما زال ممكناً تلافي تجدّد الحرب؟

GMT 04:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ديمقراطية الاستعراض والترفيه

GMT 04:48 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن والاستراتيجية المنتظرة لمكافحة الإرهاب

GMT 04:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مروان البرغوثي... في حالة السلم والحرب

GMT 04:45 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وشي... قمة مستقبل الصراع

GMT 04:44 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القوى الثلاث بعد خروج إيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دماء بريئة على شاطئ غزة دماء بريئة على شاطئ غزة



النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 22:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

دارفور على صفيح ساخن بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - دارفور على صفيح ساخن بعد سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع

GMT 16:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء
 العرب اليوم - كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور

GMT 07:07 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

التحقيق مع فضل شاكر مستمر واسقاط بعض التهم

GMT 11:25 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الطاولات في حفلات الزفاف لمسات بسيطة تصنع فخامة المشهد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab