هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح

هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح؟

هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح؟

 العرب اليوم -

هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح

بقلم : حنا صالح

عادةً تكون الحياة السياسية في أي بلد طبيعي ترجمة لأحكام الدستور بما هو نظام حياة، لكن معطيات أبرزتها أحداث الأشهر الماضية أظهرت أن لبنان لم يصل بعد إلى هذه المرحلة. والملاحظ أن الخيبة عادت للبروز بعد فترة رهانات كبيرة عاشها الناس، مع بدء ولاية الرئيس جوزيف عون، وقد صُنِّف وصوله بحدثٍ من خارج الصندوق، واتسعت الرهانات مع رئاسة نواف سلام حكومة العهد الأولى وما رافق قدومه من رئاسة محكمة العدل الدولية من هالة إصلاحية. وكيف لا تعم البلاد الرهانات الإيجابية مع خطاب القسم والبيان الوزاري وقد عبّرا عن رغبات دفينة لدى المواطنين بالإصلاح والشفافية.

مع التفاوت بين الخطاب السياسي ونوعية الإجراءات وبعض ما يجري على أعلى مستوى، من بينها تعيينات في أبرز مواقع السلطة، في بلدٍ نُهِبَ وأُفقِرَ عمداً ويعيش مرحلة تأسيسية، صدمت الحصيلة الناس لمحاذرة أصحاب القرار اتخاذ أي خطوة من شأنها تفكيك التحاصص الطائفي. ليظهر كل ذلك، بأن الحياة السياسية والدستورية بدت متممة لما كان، لم تقطع مع زمن كوارث ما قبل وصول الثنائي عون وسلام، فتقدم مرة أخرى منحى البُعد عن مسارات الدستور، فجاءت الإجراءات والتعيينات وكأنها تنقض أحكامه.

في ولاية الرئيس السابق ميشال عون، كثر الحديث عن ثغرات دستورية وصلاحيات، من منطلق أن الرئاسات طائفية تختزل البلد وعمل المؤسسات الدستورية. هذا مع التنويه بأن الدستور الذي حصر القسم برئيس البلاد، لم يقل إن رئاسة الجمهورية ممثلة للطائفة المارونية، ورئاسة البرلمان تمثل الطائفة الشيعية، وإن رئيس مجلس الوزراء رئيس للطائفة السنية. مع توضيح بأنه في ظل الاحتلال السوري، راج اصطلاح «الرئاسات»؛ لما له من أثر في تهميش مرجعية رئاسة الجمهورية كحكم من جهة، ومن الجهة الأخرى بما يطلق يد الجهة المتسلطة على البلد للتحكم بقراراته وقدراته.

جهات عدّة نظّرت لحسنات تتحقق عبر الحفاظ على توازن طائفي على مستوى رئاسة الجمهورية والصف الأول في السلطة، ورأت أن ذلك يُمتّن الوضعية الطائفية على مستوى التشريع. لكن التجربة أظهرت أن الهدف الحقيقي لم يكن احترام هذا التوازن الثابت في النص، بل إن الهدف منح قيادات طائفية بعينها مساحة واسعة للحفاظ على امتيازاتها وإحكام هيمنتها على القرار بذريعة مستوى تمثيلها للطوائف. وحصيلة هذا المنحى معروفة لأنها كانت بالغة السلبية عندما منعت قيام دولة المؤسسات والقانون.

وربما هناك اليوم الكثير من المستشارين الذين يزينون هذا المنحى، وعندما يكون الأمر متعلقاً برئاسة البلاد؛ فإن الخلفية تستند إلى «حقٍ» ما، منطلقه أن الرئيس انتُخب بدعم دولي وإقليمي كبير، وشبه إجماع داخلي، بعد شغور رئاسي طويل نجم عن عجز المنظومة السياسية. وتبعاً لذلك؛ ربما يتم التسويغ بأن يكون للرئاسة قراءتها الخاصة لكيفية تعزيز دورها بمعزل عن أحكام الدستور!

نفتح مزدوجين لنشير إلى أن التعديلات الدستورية عام 1991 بعد اتفاق الطائف والتي أُدخلت على الدستور اللبناني لعام 1926، أناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً بعدما كان يقودها رئيس الجمهورية يعاونه مجلس الوزراء. لكن الانقلاب على «الطائف» والجمهورية عطّل تنفيذ الدستور ومكَّن الوصاية السورية من وضع اليد على السلطة الإجرائية. ولتغطية هذا الانقلاب؛ تمّ تزيين حصص وازنة لزعماء تسلطوا على الطوائف من قادة ميليشيات الحرب أو المال، وتلك الحصص كانت تتضخم أو تضمر وفق مصالح الخارج، فدخل لبنان مرحلة انتقالية أُسميت «كونفدرالية الطوائف»!

تحول النظام السياسي بعد عام 1991 نظاماً برلمانياً كلاسيكياً، لكن السلطة الفعلية تسلمتها جماعات طائفية متسلطة: إقطاعية، مافياوية وميليشياوية، فكانت النتيجة غياب الدولة وتتفيه دور المؤسسات الرقابية واستتباع القضاء؛ ما أوصل البلد إلى قاعٍ لا قعر له. وكان الرهان أن القدرة توفرت للقطع مع هذه المرحلة مع بدء الولاية الرئاسية الجديدة. وتأسيساً على كل ذلك؛ احتل خطاب القسم والبيان الوزاري حيزاً لافتاً وحدث ربطٌ ما بالمرحلة الشهابية بوصفها مرحلةَ إصلاحٍ تاريخية.

لكن حسابات المواطنين لم تتطابق مع بيدر الحكم. فلفتت الانتباه جولات الرئيس وتوجهه للعاملين بمراجعة الرئاسة لمنع الفساد والتجاوزات، فأين الحكومة؟ وطرحت الأسئلة أيضاً مع تفرد الرئاسة بقرار معالجة السلاح اللاشرعي. وتوقف لبنانيون عند تعيين الوزير السابق علي حمية (مثّل «حزب الله» في الحكومة السابقة) مستشاراً رئاسياً لإعادة الإعمار؟ كان مستغرباً تعيين حمية عضواً في «لجنة رئاسية أوكل إليها إعداد خطة شاملة للنهوض بالمناطق المتضررة من الحرب»، علماً أنه كان ممثلاً لجهة مسؤولة عن الكارثة التي حلت بلبنان.

لبنان ليس البلد العصي على الإصلاح والتغيير واعتماد الشفافية. لكن هذا اللبنان في حاجة إلى قوة نخبه الإصلاحية المؤيدة شعبياً كي يلتقط الفرصة التاريخية لحمل أحلام الناس بالخروج من الفقر والخوف. نخب تُفكك المحاصصة وترفض التحايل ليعبر لبنان إلى بر الأمان!

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح هل لبنان عصيٌّ على الإصلاح



البدلة النسائية أناقة انتقالية بتوقيع النجمات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:05 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

شيرين عبد الوهاب أمام القضاء بتهمة السبّ والقذف

GMT 03:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab