التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

 العرب اليوم -

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يعاد في هذه الأيام النقاش حول الحداثة وعلاقاتها بالدين والمجتمع، وبخاصةٍ في ظلّ الأسئلة التي يفرضها التطوّر العلمي والتقني وبلغ ذروته مع الذكاء الاصطناعي.

والحقّ أن الحداثة لم تكن منذ انعكاسها الأول خارج الهواجس والتهم العميقة، وذلك باعتبارها معادية للدين بالنسبة للبعض، هذه الفكرة رسمت الموقف البسيط مع المنتج الحداثي، الفني، والفلسفي، والمعرفي، والتقني. وضعت الحداثة بإزاء الدين، باعتبارها ستحلّ محله، أو ستقوّض بنيانه، أو ستهدم قيمه. انتقل العداء للحداثة من العامي الوعظي ليحولها بعض دارسي الفلسفة إلى منهاجٍ مفهومي، باسم الدهرانية، أو العلمانية الشاملة، أو الداروينية الاجتماعية. بينما الحداثة لم تبثّ يوماً لظاهرتها تعريفاً يتفق عليه الجميع، فهي تشمل كل الرحلة الأوروبية الطويلة منذ القرن السادس عشر، وحتى عصور الأنوار، وزلازل كوبرنيكوس وغاليليو والثورة الفرنسية، وصولاً إلى فتوحات الفلاسفة في نظرية المعرفة، فالحداثة بمعناها العام هي قصة تحولات الإنسان نحو اكتشاف ذاته وعلاقاته بالعالم. واكتشاف موقعه من الأشياء لا يعني العدوان عليها، ومن ذلك فهم الدين، ولا يمكن اعتبار تلك الرحلة مقتصرة فقط على جانبٍ محدد يتعلق بالحرية، أو الانشقاق عن هيمنة الكنيسة، بل الرحلة أشمل وأعم.

ومن المفارقات أن الحداثة بتحولاتها وصرعاتها المتصلة بتطور العلوم الإنسانية، ومن ثم توسع المشروع البعدي منها ضمن انتقالاتٍ من الكليات إلى الجزئيات، ومن المتن إلى الهامش، ومن الصرح إلى الزاوية ومن الإنسان إلى ظلّه، اتهمت بكونها حالة مسيحية، وذلك من قبل منتقدي الحداثة في القرن العشرين منذ نيتشه وهيدغر وحتى ليوتار وباديو وفوكو وبارت ودلوز. واعتبرت نظريات كانط وهيغل مجموعة تنويعات عقلانية على المسيحية كما يكتب نيتشه، ويعتبر فوكو أن مهمة الفلسفة «الإفلات من قبضة هيغل».

مثلاً يتساءل هشام جعيط عن مفهوم الحداثة: «هل هي كلٌ وبنيان مرصوص، أم هي شذرات وبؤر، علم، اقتصاد رأسمالي، صناعة، تنظيم سياسي، فيما أن الواقع الإنساني في الحقيقة بحر لا ساحل له، يضم ألف عنصر من العناصر، وفيما أن الزمان متراكب؟! لكنه يخلص بمفهوم أشمل: وخلاصته: «أن الحداثة أسسها في الأول العلم الطبيعي بوصفه الأمر الأكثر تجدداً وله الأهمية القصوى... فالعلم جد وليس بالهزل، وهو الطريقة النموذجية التي أوصلت الإنسانية لمعرفة كل شيء في العالم تقريباً بعد قرونٍ من المجهودات المضنية».

الخلاصة، أن الحداثة ليست أيديولوجيا بديلة، ولا تحمل معها لاهوتاً للبشرية، وإنما هي رحلة مستمرة بدأها الإنسان لتجويد طريقة رؤيته للأشياء، مع الإصرار على التعلم والاكتشاف اليومي لمفاهيم جديدة، مع قابلية أبدية لتغيير الرؤى النموذجية، تلك أنجح الوسائل لتأقلم الإنسان مع هذا الكون، ولا داعي للتوجّس من منتجات الحداثة على كافة المستويات، بل إن من الحكمة الانتقاء منها والبناء على نتائجها وفتوحاتها المعرفية، وأن ندرس كل جديدها بقوّة وشجاعة.

*كاتب سعودي

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة التقدم التقني وعودة سؤال الحداثة



نقشات الأزهار تزين إطلالات الأميرة رجوة بلمسة رومانسية تعكس أناقتها الملكية

عمّان - العرب اليوم

GMT 11:05 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

شيرين عبد الوهاب أمام القضاء بتهمة السبّ والقذف

GMT 03:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab