بقلم : فهد سليمان الشقيران
تمثّل المشهدية البصرية التي واكبت زيارة الرئيس ترامب ذروة العرض لمخرجات التنمية والاستثمار بالخليج؛ بالتأكيد أن النخب يعلمون ويلاحظون هذا التقدم، ولكن الملاحظة الأهم أن الأجيال الشابة بدأت تتساءل عن سبب عدم وصول بلدانهم العربية إلى هذا المستوى من النموّ الاقتصادي والاستقرار السياسي والتفوّق التكنولوجي؟!
لقد رصدتُ هذا في ردود الأفعال الشبابية في العراق ولبنان وسوريا والسودان وليبيا، مجتمعاتٍ حيويّة لم تستطع تحقيق أحلامها عبر الأجيال، حقاً ثبت لتلك المجتمعات أن الخليج «حديقة وسط حريقة».
كانت محطّة ترامب الختامية في أبوظبي مليئة بالصور المعبّرة، وبرنامج ترمب فعلياً كان يشرح المستقبل الذي تسعى للوصول إليه دولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد ركز صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في كلمته على عناوين أساسية، منها: السلام، تعزيز الشراكات، ومواكبة أحدث المستجدات التقنية في المجالات كافة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.
لقد حظيت جولة ترامب في مسجد الشيخ زايد، رحمه الله، بتغطية محلية ودولية، فهي أول زيارة له لمسجد، وقد كان في غاية الانبهار بالرسالة التي يحملها المسجد لكل المسلمين، رسالة الاعتدال، والحوار، والتسامح ونبذ التعصّب والكراهية، إنها جولة توضّح رسالة كبرى خلاصتها أن الأديان تتكامل وتتعايش، على عكس المقولات المتطرفة التي تحاول اختطاف الدين لساحاتها ومعاركها.
إن جولة ترامب في المسجد تقول لجميع المؤمنين بالعالم: إننا بالحب يمكنها أن نهزم الكراهية، وبالحوار نستطيع أن نتجنب الصراع، وبأفكار السلام وحدها نقمع إرادات الحروب الدينية كلها العسكرية والرمزية.
أدرك ترامب أن العواصم الصاعدة وجدت وعثرت على نموذجها، ففي كلمته بالرياض وصف تقدم الخليج بأنه «معجزة العصر بطريقةٍ عربية»، مقولة قد تمرّ على البعض ولكنها خلاصة لنموذج لايزال في طريقه نحو معجزاتٍ أكبر. مقولة ترامب دقيقة، لقد صممت دول الخليج حداثاتها الصاعدة ضمن تراثها وتقليدها المفيد، فنحن متمسكون بالعرضات الحربية، والقهوة المحليّة، والزيّ التقليدي، ونعمل بالموروث المفيد في تعاملاتنا وأخلاقنا، ونشدو قديم قصائدنا. هذا هو التحدي الذي نجحنا به. لم ننسلخ من إرثنا ولم ننكفئ عن مواكبات الحداثات، كل الحداثات.
الخلاصة؛ أن زيارة ترامب شرحت لإخوتنا العرب والعالم كيف أن الدول حين تعثر على نموذجها الخاص المدروس، فإنها بالتأكيد ستنجح. وما كانت دول الخليج أنانية في نجاحاتها، بل تريد وتتمنى للجميع الخروج من المآسي والنكبات، بل وأكثر من ذلك أنها تهديهم التجربة وطرق النجاح، إنها ليست وصفة سحرية حصرية، ولكنها ثمرة إرادات سياسية حكيمة قادها الآباء المؤسسون منذ قرون. جلّ الدول العربية المنكوبة لديها إمكانيات تفوق بمراحل إمكانيات دول الخليج ولكنها للأسف لم تبرح مكانها، أنهرٌ، ومعادن وذهب، بيئة زراعية خصبة، مناخ باهر ينبت الزرع ويدرّ الضرع، ولكن من دون «إرادة سياسية حكيمة»، فإن كل ذلك لن يخلق التقدم.