تعريفات الفلسفة وتحولاتها

تعريفات الفلسفة وتحولاتها

تعريفات الفلسفة وتحولاتها

 العرب اليوم -

تعريفات الفلسفة وتحولاتها

بقلم - فهد سليمان الشقيران

بقدر ما تحمل الفلسفة تعريفاتها الدقيقة، بقدر ما تحمل ممانعة ضد التعريف. إذ لكل فيلسوفٍ تعريفه لها، طبقاً للرؤية التي يتخذها، أو المسار الذي يسلكه، أو المنتج الذي يعمل عليه. ثمة تعريفات للفلسفات... لكن «الفلسفة» بقيت فضاءً ممتداً لا يمكنها أن تحتكر ضمن حدّ، أو توضع ضمن قصد، أو تحصر ضمن تأويلٍ أو انفجار نظري واحد. من هنا يكون لبعض الفلاسفة أوصافهم عن الفلسفة، على النحو الذي يصف فيه نيتشه الفيلسوف بأنه «حامل المطرقة»، أو أنها السبيل نحو «السخرية»، بينما يعتبرها جيل دلوز محاربة «للغباء»، وفوكو يصف وظيفة الفيلسوف بأنه محارب من دون هوادة «للحماقة». كل تلك الشطحات أو التوصيفات الشذرية للفلسفة، أو التعميمات اللحظية لها تنبثق من لحظة الرؤية الدقيقة لما في الواقع؛ ذلك أن العالم بعد الحربين العالميتين، والثورة الصناعية، أصبح أكثر غربة، وبات الإنسان ضحية «الاغتراب» الكارثي على الرغم من كل فتوحات التقنية؛ إذ يمكنك أن تلفّ العالم بجهازك الكفي لكنك «الغريب» بداخله بكل ما للكلمة من معنى.
ما يجري بالعالم من مذابح ومجازر، أو صراعات وحروب تصل إلى حد التهام الأكباد، وضرب الرؤوس، وقطع الأمعاء، وقتل الأجنّة مثير للسخرية الكبرى في هذا القرن الذي كان الكل يأمل أن يكون قرناً حقيقياً تسوده العدالة والسلم والرخاء والازدهار. لكن على العكس؛ إذ ما نراه من حروبٍ أهلية في الشرق الأوسط وأفريقيا أمر مفجع للغاية. إذ تتسمّر لوهلة ثم تتساءل: ماذا يفعل هؤلاء بالعالم؟ وما قيمة ما أنتجه الإنسان من نظرياتٍ وتعريفاتٍ وتوصيفاتٍ إذا كانت الحروب والدماء تسيل كما كانت تسيل منذ الإنسان القديم، ومنذ العصور الغابرة؟!
كل هذه الحماقات التي يرتكبها الإنسان تبرهن على أن الكثير مما يجري في هذا العالم مثير للسخرية، ثمة اندفاع نحو العنصرية وانتشار للكآبة، وتفشٍ للأمراض الخطرة، ونضوب في المياه، وجفاف في المناخ، وتضخم بالسكان، وازدياد بالفقر، واحتباس في المناخ، كل تلك الكوارث ليست من صنيعة الكائنات الأخرى على الكواكب من حولنا، بل من صميم صنع الإنسان وفعله. لهذا ربما حاول الإنسان «أنسنة» كل شيء، لكن من دون أن يؤنسن نفسه. بات الأسير الأكبر لـ«الاغتراب» عن الطبيعة التي لم يبد وفياً معها، ولم يتعامل معها بإخلاص وجدية، ولم يعر الموضوعات الأخلاقية أي اهتمام. هناك أوضاع مزرية تُمارس بعد كل القرون التي مضت من النظريات والمفاهيم والموضوعات التي تحاول أن تعالج «الحماقة» أو «الغباء».
ثم تكتمل الحماقة، ويتصاعد الغباء من خلال ما اعتبره هيدغر «الوجود الزائف»؛ إذ تتعمد المجاميع البشرية «التواطؤ» للغيبوبة ضمن «الوجود الزائف» ضمن «الأشياء» والجموع، و«القيل والقال» على حد وصف هيدغر أيضاً. هناك تجهيل وتواطؤ على تجريب الجهل والانغماس التام في «شيئية» مقرفة. تتبعها حال نسيان للذات والكينونة والمصير والمعنى... هناك زحف كبير وتنافس ضخم على التفاهة والحماقة والغباء.
الوجود الزائف حيث السقم بالتفاهة والأشياء، والغرق بزيف «الهم» أو «الجموع»، ويا له من وجود يبعث على «الغثيان»، على حد تعبير سارتر.
ربما تكون وظيفة الفلسفة الآن - التي تتحوّل دائماً - شبيهة بوظيفة الصوفي العارف، الذي تضيق عبارته كلما اتسعت رؤيته «النفّري» وربما كانت متعة نصّية... يلوذ الإنسان بالنص للاغتسال من درن الواقع، وربما كانت علاجاً وترياقاً وعزاءً للإنسان في ظلّ هذا الموج من الدماء والأشلاء، وربما تكون صاقلة للكينونة بحيث تجعل الفرد ضمن الوجود الحقيقي، وجود الإدراك للمعنى والتمسك بالسخرية والغضب، كما تتمسك الفلسفة بوظيفتها الأصلية منذ الإغريق «مخاطبة الغموض» وربما كان الفيلسوف حامل رؤية، لكن من دون تبشير؛ إذ يكتفي بالانزواء وراء الظلمة، ليكون جمهوره الوحيد هو «ظلّه» - على حد تعبير الماغوط - ليعيش بين صداقة الكلمات، وبين صور الشعر الملهمة، على وقع صوت الموسيقى الأصيلة... يأتي صوتها المطمْئن من بعيد، وربما كانت وظيفة الفلسفة أيضاً حالة من «الإنصات للوجود» كما يكتب هيدغر.
كتب بودريار قبل رحيله 2007 «لا أدري ماذا سيحلّ بهذا العالم».

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعريفات الفلسفة وتحولاتها تعريفات الفلسفة وتحولاتها



GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

أيهما أخطر؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab