تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي

تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي

تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي

 العرب اليوم -

تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي

بقلم : يوسف الديني

تطرح استراتيجية الأمن الوطني الأميركية لعام 2025 تحوّلاً جذرياً في طريقة مقاربة واشنطن للشرق الأوسط ودوره في معادلة الأمن العالمي، بما يتجاوز أي مقاربة سابقة منذ نهاية الحرب الباردة. فبعد ما يقارب نصف قرن من الانغماس الأميركي في صراعات المنطقة، تقدّم الوثيقة رؤية جديدة، مفادها أنّ الشرق الأوسط لم يعد ذلك المسرح المُلتهب الذي يُلزم الولايات المتحدة بالبقاء فيه، بل منطقة تتراجع فيها دوافع التدخل العسكري وتتعاظم فيها فرص الشراكات الاقتصادية والاستثمارات المتقدمة.

والسؤال: كيف نقرأ هذا التحول اليوم؟ بالتأكيد أنه لا يعكس فقط إعادة ترتيب أولويات واشنطن عقب التوسع في إنتاج الطاقة والانتقال إلى التركيز على التنافس مع القوى الكبرى، بل يعكس أيضاً إدراكاً أميركياً بأن القوى الإقليمية، وفي مقدمتها السعودية، باتت أكثر قدرة على إدارة التوازنات والمحافظة على الاستقرار من دون الحاجة إلى إشراف أميركي مباشر أو دائم.

وللمرة الأولى منذ عقود، تبدو مصالح واشنطن أقلَ ارتباطاً بإدارة الأزمات الآنية والتفاصيل في المنطقة، وأكثر رغبة في بناء علاقات تحالفية قائمة على تقاسم الأعباء وترتيبات اقتصادية واستثمارية مستدامة، أو على الأقل طويلة الأمد.

بحسب نص الاستراتيجية المنشور مؤخراً، فإن جزءاً من العوامل التي دفعت الولايات المتحدة، تاريخياً، إلى اعتبار الشرق الأوسط منطقة لا يمكن الانسحاب منها، قد تغيّر بصورة جوهرية. فاعتماد العالم على نفط الشرق الأوسط تراجع بفعل تنويع مصادر الطاقة عالمياً، كما أصبحت الولايات المتحدة نفسها مُصدّراً للطاقة، بما يقلّص أحد أهم دوافع الوجود العسكري المكثف وفق منظورها الاستراتيجي.

من جهة أخرى، لم يعد التنافس الدولي ذا طبيعة قطبية صفرية كما كان في الحرب الباردة، بل تحوّل إلى تدافع بين قوى كبرى تختلف أدوارها وحدود تأثيرها، في حين تحتفظ واشنطن بقدرة تفوق نوعية وبمسافة تجعلها في موقع «الأكثر جاذبية»، بحسب تعبير الوثيقة. وما دامت البيئة الاستراتيجية العالمية تدفع بالولايات المتحدة نحو آسيا وتجاهل أوروبا الشرقية، فالأكيد أن الشرق الأوسط لن يصبح منطقة بلا قيمة، لكنه وفق المقاربة الأميركية الجديدة أقل إلحاحاً على مستوى التدخل، وأكثر فرصة لشراكات اقتصادية.

الملف الإيراني كان حاضراً في الوثيقة بوصفه نموذجاً للتحول، فليست طهران التهديد الإقليمي الأكبر كما كان الخطاب التقليدي؛ إذ تؤكد الاستراتيجية أنّ إيران تم إضعافها وتهشيمها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن عملية «مطرقة منتصف الليل» الأميركية في يونيو (حزيران) 2025 كانت لحظة فاصلة في تراجع قدرات البرنامج النووي؛ لذلك فطهران يعاد توصيفها وفق هذه المقاربة كقوة إقليمية تستدعي الاحتواء، وكعامل خطر قابل للتحييد، أو بعبارة أخرى من الردع إلى الاحتواء النسبي، وهو ما سيجعل فرص السعودية الدولة الصاعدة والفاعل الأهم في الشرق الأوسط أن تستفيد من الفراغ النسبي، باعتبارها فرصة نادرة ومهمة لإعادة ترتيب التوازنات في المنطقة.

وكما هو متوقع حضر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في المقاربة الجديدة لواشنطن، لكن من دون تصور لحل نهائي، وإنما للتأكيد على مرحلة سلام طويلة يتم الالتزام فيها بعدم إطلاق النار، وهذه أيضاً فرصة ثانية لدول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، بما يمتلكونه من ثقل سياسي وتفاوضي للعب دور في أي مسارات تسوية مستقبلية، في ظل إشارات واضحة على تفضيل أميركا لدور الإشراف وضبط الإيقاع وترك التفاصيل للاعبين الأساسيين بسبب التعقيدات البنيوية لهذا الملف.

سوريا الجديدة على الرغم من توصيفها بـ«مصدر قلق محتمل»، لكنها تجاوزت مرحلة التهديد، بل على العكس هناك رغبة كبيرة عكسها التقرير لإمكانية وضرورة استقرارها من خلال دعم مشترك، وصولاً لدمجها في التوازنات الإقليمية.

الأهم في الوثيقة من وجهة نظري هو التخلي الأميركي الواضح عن فرض ملفات حساسة قيمية أو سياسية، من استغلال شماعة حقوق الإنسان أو استنبات الديمقراطية الشكلانية، بل تعترف صراحة بأن هذه المقاربة كانت خاطئة، وتؤكد في الوقت ذاته أنّ نجاح العلاقات مع دول الشرق الأوسط يقوم على «قبول المنطقة وقادتها كما هم، والعمل معهم ضمن إطار المصالح المشتركة».

هذا الاعتراف وما سيتلوه من نهج فرصة مهمة جداً لإعادة موضعة الشراكة بناء على استحقاقات مبنية على «الاستقرار، والتنمية، والتحولات الاقتصادية»، خصوصاً مع إدراك واشنطن وإشادتها بالتجارب الخليجية والعربية المستقرة، والتي صبّت كفاءتها على محاربة التطرف والإرهاب.

أخيراً، تحدثت الوثيقة عن توجهات واشنطن الجديدة صوب الاستثمار في التقنية والذكاء الاصطناعي، وهو أيضاً ما يعزز الفرصة لدول المنطقة، وللسعودية بشكل خاص بحكم مشروعها الوطني الرائد المتمثل في «رؤية 2030» في مساره الاقتصادي، والذي عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ سنوات بتحويل المملكة إلى إحدى أهم مناطق الاستثمار المتقدمة في مجالات الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية وسلاسل الإمداد العالمية، وهو ما يعني أن تكون الرياض العاصمة المتجددة بشكل مذهل مركزاً محورياً في الإقليم للمشاريع المشتركة التي تبحث عنها واشنطن، كما هو حال الدول الكبرى.

الأكيد أن الوثيقة تعطينا ملامح المستقبل القريب من وجهة نظر الأمن القومي الأميركي «إعادة الإقليم للإقليم»، وتحول الشرق الأوسط إلى منطقة توازنات متعددة المراكز تقوم على إعادة بناء العلاقات البينية، وتطوير التحالفات الاقتصادية والتكنولوجية. وهو ما يجعل لحظة الازدهار الراهنة للسعودية فرصة تاريخية لاستمرار صعود دورها وموقعها بوصفها بوصلة الاستقرار لمنطقة سئمت الفوضى

arabstoday

GMT 21:58 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الدَّرس

GMT 21:56 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الهجوم على خالد بن الوليد

GMT 21:50 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

مفاوضات تحديد الخسائر!

GMT 21:48 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الهند وتخصيص القطاع النووي لتوليد الكهرباء

GMT 21:46 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

تحول لبنان الهش نحو السلام الآن

GMT 21:43 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل يكفي التجريم فقط؟

GMT 21:40 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل يجرؤ الاتحاد الأوروبي على مصادرة الأموال الروسية؟

GMT 10:20 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

«ساحر الكرملين».. كيف يدمر الزعماء من صنعوهم؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي تحولات استراتيجية للأمن الوطني الأميركي



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 23:08 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

تدابير الفيفا لمواجهة الحرارة في المونديال
 العرب اليوم - تدابير الفيفا لمواجهة الحرارة في المونديال

GMT 13:21 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

هل ما زالت الثقافة مهمة؟

GMT 12:43 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان سعيد مختار في مشاجرة أمام ناد شهير بأكتوبر

GMT 15:26 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يكشف التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا في المغرب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن رغبته في اتفاق يضمن خلو جنوب سوريا من السلاح

GMT 19:30 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف استبعاد بلير من عضوية "مجلس السلام" في غزة

GMT 12:11 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي ويصف صوته بصوت ملاك

GMT 13:07 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab