الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض

الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض؟

الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض؟

 العرب اليوم -

الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض

بقلم : يوسف الديني

 

في منطقة تتَّسم بالاضطراب والتحولات القلقة والاصطفاف حول مشاريع تقويضية، يبرز دور السعودية بوصفها نموذجاً فريداً للاستقرار وصناعة مفهوم الدولة الرشيدة داخلياً على مستوى الاستثمار في المواطنة وإعلائها، وخارجياً في الحياد الإيجابي المبنيّ على المصالح وتعزيز الاستقرار والسِّلم.

تقود السعودية، برؤية طموحة واستراتيجية واقعية بعيداً من الشعارات المؤدلجة أو المواقف المصلحية الضيقة، تحولاً غير مسبوق في دورها الإقليمي والدولي، مستفيدةً من أدوات جديدة في الدبلوماسية، والتنمية، والاستثمار في الإنسان، ومكافحة التطرف، وإعلاء منطق الدولة الوطنية على ذهنية الميليشيات والاستثمار في الفوضى أو حتى في الكيانات ما دون الدولة.

واليوم تبرز السعودية في قلب هذا التحول، إذ نجحت في إعادة تشكيل السياسات الخارجية بناءً على فلسفة «الحياد الإيجابي» التي لا تعني الانعزال عن العالم، بل المشاركة الفعّالة والإيجابية والمتوازنة في القضايا الدولية، من دون التورط في استقطابات حادة أو تحالفات مطلقة لا تراعي المصلحة المتغيرة والمستجدات على الأرض. هذه المقاربة أكسبت الرياض ثقة دولية متزايدة، وتجلّت في وساطتها الفاعلة في ملف الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، واستضافتها حوارات دولية معقّدة، ومحاولاتها لفتح قنوات اتصال بين واشنطن وطهران، والأهم موقفها المبدئي والأخلاقي من قضية فلسطين.

تمتاز المقاربة السعودية لملفات الإقليم المعقدة والاضطرابات الهائلة التي تحيط به بأنها ليست تحركات مؤقتة أو ذات طابع دعائي، بل تنبع من تحوّل بنيوي في الفلسفة السياسية السعودية. فالمملكة باتت تدرك أن دورها القيادي يتطلب صياغة حلول، لا الاصطفاف خلف النزاعات. ومن هنا، فإن الدول الهشة والمتعثرة في الإقليم من اليمن إلى لبنان، ومن سوريا إلى السودان، ستجد في مقاربة السعودية لملفاتها نموذجاً يمكن استلهام الكثير منه خلاصته: لا يمكن الرهان إلا على دولة قوية تحتكم إلى المؤسسات، تستثمر في الإنسان، وتنبذ منطق الميليشيات والآيديولوجيات السامّة التي أعاقت تقدم المنطقة عقوداً من الزمن ولا تبدو هناك أي ملامح ضوء ضمن هذا النفق الطويل القاتم.

على المستوى الدولي، لا سيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة والدول الغربية، تكتسب السعودية اليوم وباعتراف مراكز الأبحاث وخزانات التفكير أهمية متزايدة بصفتها نموذجاً للاستقرار المستقبلي في منطقة تشكّل أحد أكبر التحديات أمام الاستراتيجية الغربية. في الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن شركاء فاعلين يساعدونها في إدارة الملفات الحساسة من دون الانخراط العسكري المباشر، تظهر السعودية وسيطاً قادراً؛ بما تملكه من أوراق تفاوضية، وتعانُق التاريخ والجغرافيا، ومركزية القداسة الدينية «الحرمين الشريفين»، والتأثير الاقتصادي، إضافةً إلى نموذجها الفريد للاستقرار والعلاقات الإيجابية مع جميع الأطراف، من واشنطن إلى بكين، ومن طهران إلى موسكو.

ولا يمكن إغفال أن التحول في العلاقات السعودية - الإيرانية (منذ اتفاق بكين عام 2023) شكّل نقطة محورية في إعادة صياغة التوازنات الأمنية في الخليج، وأسهم في خفض التوترات التي كانت قد بلغت ذروتها في سنوات ما قبل الاتفاق، وبخاصة مع سياسة «الضغط الأقصى» التي انتهجتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى. لكنَّ السعودية اليوم تنظر إلى إيران بوصفها «عدواً»، بل خصماً يمكن احتواؤه بالدبلوماسية، من خلال الاندماج في منطق المصالح المشتركة بدلاً من الاستنزاف المتبادل متى ما أقدمت طهران على صياغة مقاربة واضحة وصادقة للتخلي عن استثمارها في الأذرع الخارجية واستبدال ملامح الدولة بقناع الثورة.

وفي ظل تصاعد النقاش والجدل داخل إيران وخارجها حول مستقبل برنامجها النووي، والخشية من امتلاكه طابعاً عسكرياً، تسعى السعودية إلى منع الانزلاق نحو صدام إقليمي واسع قد يجر المنطقة إلى الفوضى، ويقوّض المساعي نحو الاستقرار. فاستقرار الإقليم شرط أساسي لجذب الاستثمار والسياحة وبناء الاقتصاد الجديد غير النفطي، وهو ما يفسّر انخراط السعودية النشط في التهدئة والوساطات.

التحولات السعودية في الاستراتيجية الخارجية هي انعكاس لمتن صلب وقوي في الداخل السعودي، حيث النموذج السعودي الجديد والرؤيوي يقوم على تحول داخلي عميق أيضاً: إصلاحات اجتماعية واقتصادية كبرى، وتمكين الشباب والمرأة، وتجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف والعنف... هذا المشروع الداخلي يعزّز من مصداقية المملكة على الصعيد الدولي، ويجعل منها أكثر من مجرد وسيط، ويحيلها إلى نموذج ملهم رغم كل التحديات والصعوبات التي مرت بها في وقت قياسي منذ إطلاق الرؤية، لتصنع واقعاً اليوم يتفق العقلاء على قدرته على الإلهام.

السعودية تمتلك أوراقاً مؤثرة. منها علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والعلاقات الثنائية القوية المبنية على الثقة مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى قدرتها على التأثير في أسواق الطاقة، ونفوذها المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، ومكانتها الروحية بصفتها قبلة المسلمين -كل ذلك يجعل منها دولة لا يمكن تجاوزها.

السعودية، بنموذجها المتوازن، تُمثّل اليوم جسراً ضرورياً بين الشرق والغرب، بين الماضي والمستقبل، بين الفوضى والاستقرار، بين الميليشيات ومنطق الدولة، فهي قدمت للعالم صيغة بديلة لحل النزاعات، قائمة على التنمية لا على الحرب، وعلى المصالح لا على الآيديولوجيا. وفي زمن الأزمات العالمية المتكاثرة، فإن الشرق الأوسط، والعالم بأسره، بحاجة إلى السعودية -ليس فقط كمنتج للطاقة، بل كصانع للاستقرار والاستثمار في الأجيال الشابة التي تشكل النصيب الأكبر من الوقود الحقيقي للشرق الأوسط.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض الشرق الأوسط والعالم والحاجة إلى الرياض



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab