مسألة أخلاق

مسألة أخلاق

مسألة أخلاق

 العرب اليوم -

مسألة أخلاق

بقلم - د. محمود خليل

سأل على بن أبى طالب ولده «الحسن» عن معنى المجد، فأجاب شيخ الحكمة قائلاً: «المجد أن تعطى فى الغرم وأن تعفو عن الجرم»، ثم سأله عن الحزم، فأجاب: «الحزم طول الأناة، والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن».

يظن البعض أن المجد يعنى الوصول إلى القمة فى المجال الذى يجتهد فيه الفرد، فيحوز أعلى المناصب، ويتمتع بالنفوذ الكبير داخل الجماعة التى ينتمى إليها، ويرى البعض أن المجد يعنى التميز الإبداعى أو التفرد، لكن المجد من وجهة نظر «الحسن» مختلف، فالمجد مسألة أخلاقية بالأساس، يستطيع كل البشر تحقيقه أو الوصول إليه، والطريق إليه واضح، ويتمثل فى العطاء حتى فى الأوقات التى تتراكم فيها المغارم والأعباء على الفرد، وأن يعفو عمن أساء إليه، حتى لو وصلت الإساءة إلى حد الجرم.

انتقل «الحسن» بعد ذلك إلى الإجابة عن سؤال الحزم، والذى يحدد الكثيرون معناه فى القدرة على اتخاذ القرار، وحسم الأمور فى المواقف التى يواجه فيها الفرد عدة اختيارات، فيحدد اختياره من بينها بشكل سريع وقاطع. ويحمل «الحزم» من وجهة نظر «الحسن بن على» حزمة من المعانى الأخلاقية الراقية التى تميز صاحبها.

المعنى الأول للحزم هو طول الأناة. فالصبر، وعدم التسرع، والتأنى فى اتخاذ القرارات، يجعل صاحبه متمتعاً بخصلة الحزم، وكأن «الحسن» أراد أن يقول إن الحزم يعنى القرار المدروس، فالبحث والفحص والتمحيص يؤدى إلى قرارات أكثر رشداً واتزاناً، أما الاندفاع وعدم التروى فيؤديان إلى العديد من المشكلات، وهما فى كل الأحوال لا يعبران عن حزم أو عزم، بل عن اضطراب وارتباك.

المعنى الثانى للحزم يتحدد فى «الرفق بالولاة». والرفق هنا يعنى -فى تقديرى- منح «الولاة» الفرصة كاملة لتنفيذ سياساتهم قبل الحكم عليهم، وينطبق مفهوم الولاية على كل من يتولى أمراً من أمور الناس، سواء كان أميراً أو وزيراً أو خفيراً أو أباً أو أُمّاً أو زوجاً أو زوجة. ولست أظن أن «الحسن» يجعل الرفق أساساً لإعفاء ولاة الأمر من الحساب والمساءلة، فمن حق الناس أن تحاسب من يتولى أمرها. وقد كان «الحسن» نفسه يستوقف أباه علىَّ بنَ أبى طالب، حين تولى أمر الخلافة، ويعارضه فى بعض المواقف، ويخالفه الرأى حين تظهر له وجهة نظر مختلفة.

المعنى الثالث للحزم يجد مدلوله فى «الاحتراس من الناس بسوء الظن». فالحذر من المحيطين أمر واجب، حتى ولو كانوا أقرب المقربين. وينصح القرآن الكريم كل مؤمن بالتزام الحذر: «يا أيها الذين آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُم»، ويحذر الله تعالى أيضاً الإنسان من أقرب الناس إليه: «بعض الزوجات والأبناء».. يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ». وقديماً قيل: «سوء الظن من حسن الفطن». ولا أتصور أن «الحسن» -رضى الله عنه- يدعو إلى إساءة الظن بالناس على طول الخط، لكنه يدعو فقط إلى الحذر، والحذر واجب.

عاش «الحسن بن على» إنساناً بمعنى الكلمة، يجعل من الأخلاق الرفيعة أساساً للحياة المستقرة.

arabstoday

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

كيف سيتحرك المجتمع الدولي والعرب لا يتحركون؟!

GMT 12:22 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

الزمالك والأهلي و... دجلة

GMT 12:21 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

أهكذا يدار القرار الحكومي ؟!

GMT 12:17 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

العدوان على قطر 9 سبتمبر.. التوقيت والأهداف

GMT 12:16 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

العنف في المجتمعات الديموقراطية!

GMT 12:14 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

حروب إسرائيل ودروس الحرب العالمية الثانية

GMT 07:24 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

سيرة المؤشر

GMT 07:22 2025 الثلاثاء ,16 أيلول / سبتمبر

هل ضجر العالم من الواحدية الأميركية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة أخلاق مسألة أخلاق



هيفاء وهبي تتألق بإطلالات خارجة عن المألوف وتكسر القواعد بإكسسوارات رأس جريئة

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:47 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تعلن طلب مسؤولين بحماس مغادرة غزة

GMT 01:56 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

شأن ما جرى في قطر!

GMT 12:17 2025 الأحد ,14 أيلول / سبتمبر

هل يمكن العودة للسلام؟

GMT 03:52 2025 الإثنين ,15 أيلول / سبتمبر

جيش الاحتلال يعتقل شابًا سوريًا بريف القنيطرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab