شارع «الآلام»

شارع «الآلام»

شارع «الآلام»

 العرب اليوم -

شارع «الآلام»

بقلم: د. محمود خليل

من اللافت للغاية أن يطلق اسم «الصليبة» على شارع ارتبطت به العديد من الأحداث الكبرى فى عهد سلاطين وولاة مصر المملوكية ثم العثمانية ثم العلوية. ويفسر البعض ذلك بالهيئة الجغرافية للشارع الممتد من آخر شارع الخضيرى حتى ميدان القلعة، الذى تكثر فيه التقاطعات الخاصة بشوارع أخرى ممتدة يميناً وشمالاً، مما جعله يأتى على شكل صليب فى العديد من مواضعه، وإذا كان تفسير الجغرافيا كذلك، فقد تجد تفسيراً آخر فيما يتعلق بخطوط التاريخ التى ترتسم على وجه هذا الشارع العريق، تشهد على حالة الذوبان التى تحدث بين المكان والإنسان.

فقد شهد هذا الشارع الكثير من الآلام، بل يصح أن تصفه بـ«شارع الآلام». ففى شارع الصليبة عاش السلطان «طومان باى» آلام الهزيمة بعد أن تمكّن منه السلطان سليم الأول العثمانى وهزمه فى معركة الريدانية 1517، وبين أهله اختفى السلطان المهزوم وأخذ يكر على العثمانيين بالتعاون مع عدد من المماليك والأهالى الذين التفوا حوله، فيما يشبه حرب العصابات. وما أكثر ما كان أهل الشارع يستيقظون -فى مشاهد أخرى- على المعارك الدامية بين جنود الوالى العثمانى والطموح على بك الكبير الذى أراد الاستقلال بمصر عن السلطنة العثمانية.

فى شارع الصليبة شهد الأهالى الزعيم محمد كريم وجنود نابليون يسحبونه لتنفيذ حكم الإعدام فيه وهو لا يملك من أمره شيئاً، غير الصراخ بعبارة «اشترونى يا مسلمين» بأن يدفعوا له الفدية التى اشترطها نابليون ليعتقه من القتل. يقول الجبرتى: «وشقوا به الصليبة إلى أن ذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحاً (مصلوباً) وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه، ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبوت وطافوا بها بميدان الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخالف الفرنسيس».

فى شارع «الصليبة» شهد الأهالى مواكب المماليك وهى تتدفق إلى المذبحة التى نصبها لهم محمد على فى القلعة، وسمعوا طلقات البارود وهى تدوّى ورأوا دماء المماليك وهى تتقاطر من فوق أسوار القلعة. وشهد بعض أهله أيضاً «أمين بك» المملوك الوحيد الناجى من المذبحة بعد أن قفز بحصانه من فوق سور القلعة، وقفز من فوقه قبل أن يرتطم بالأرض.

فى حى الصليبة عاش الزعيم مصطفى كامل الذى اختلطت فى قلبه محبة الوطن بخيوط الألم. وظل يدافع عن حق مصر فى الاستقلال وينادى بجلاء الإنجليز عن أرضها ولا يأبه لقلبه الواهن الضعيف، حتى بلغ لحظة لم يستطع فيها الصمود فسقط من الألم والإعياء وقابل وجه ربه.

يُنكر بعض الأثريين مسألة تسمية الشارع العريق بـ«الصليبة» ويقولون إن المستشرقين هم من أطلقوا عليه هذا الاسم، ويرون أن الشارع يأخذ شكل «التربيعة»، لكن حقيقة جغرافية الشارع تقول إنه بالفعل «صليبة»، ومن عجب أن جغرافية الشارع صادقت تاريخه بشكل يدعو إلى التأمل، تدرك ذلك بوضوح كلما قربت العدسة من أى ذرة من ذرات هذا المكان وستجد أنها تحكى قصة ألم عاشها المصريون عبر تاريخهم المديد.

إنه الألم الواحد الذى صهر كل من سار فوق تراب أى شارع من شوارع المحروسة ولم يستثن وهو يضرب أبناء المحروسة أحداً.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شارع «الآلام» شارع «الآلام»



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab