الأب الذى رحل

الأب الذى رحل

الأب الذى رحل

 العرب اليوم -

الأب الذى رحل

بقلم: د. محمود خليل

أوصى الله تعالى الأبناء بالآباء والأمهات: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ»، ولم يوصِ الآباء والأمهات بالأبناء. فمحبة الوالدين للأبناء مسألة فطرية، وهى تجرى فى داخلهم مجرى الدم من العروق.

كان نوح -عليه السلام- يعرف أن ابنه مشرك بالله وظل يدعوه إلى ركوب سفينة النجاة حتى آخر لحظة قبل الطوفان، لكن الابن رفض، وحاول الاعتصام بجبل يحميه من الماء، فى لحظة لم يكن فيها من عاصم مِن أمر الله إلا مَن رحم، ترجَّى نوح ربه فى ابنه: «وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ».

فى المقابل، تجد تشديداً فى الخطاب القرآنى على أن يطيع الأبناء آباءهم وأمهاتهم، وأن يخضعوا لهم خضوعاً كاملاً إلى حد التذلل لهما رحمة بهما: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»، ومهما فعل الأب والأم مما يظنه الأبناء إساءة إليهم، فلا تثريب عليهما. ولو أنك راجعت موقف نبى الله إبراهيم من أبيه ستجد كيف كان الأب يشعل نار العداوة ضد ابنه ويدافع باستماتة عن عبادة الأوثان، فى الوقت الذى يستغفر له فيه الابن، حتى يئس من دخوله إلى عالم التوحيد، فتبرأ منه، والبراءة هنا ليست من الأب، بل من عقيدة الأب، وقد كان أبو الأنبياء كثير التضرع إلى الله، حليماً مع من يظلمه أو يناله منه مكروه.

أحاسيس الطفل نحو الأب تختلف عن أحاسيس الكبير، الطفل يغضب على أبيه عندما يبتعد عنه ويترك الأم، وينفصل عن الأسرة، بحثاً عن حياة جديدة، وهو معذور فى غضبه، لأنه يكون فى أشد الحاجة إلى ظل أبيه، لكن من المفترض بعد أن يشب ويكبر ويغزو الشيب سواد شعره أن يستوعب ويعذر، وينأى بنفسه عن نصب المحاكم لأبيه، حتى لو برر ذلك بأنه ينصح الآباء المعاصرين حتى لا يتركوا صغارهم نهباً لأحاسيس الحقد والنقمة عليهم.

كل آباء من هم فى عمر الستين أو السبعين حالياً كانت لهم طباعهم، والقاسم المشترك الأعظم فيما بينهم هو الخشونة فى التعامل مع الزوجات والأبناء. أغلب مَن وُلدوا فى الخمسينات والستينات عاشوا هذه الأجواء مع آباء انصرفوا عن أسرهم لأسباب مختلفة، حتى من تعود أن يكمن داخل بيته لم يكن يكترث بالعيال بسبب كثرتهم. آباء الخمسينات والستينات امتلكوا تركيبة صلبة ولم يكن أغلبهم ينكسر أمام الزوجة أو الولد، ورغم ذلك كان أغلب نتاجهم -على مستوى الأبناء- زاهياً، وكل ستينى أو سبعينى تربى على يد أب من الخمسينات أو الستينات واثق من داخله أن نتاجه من الأبناء أقل جودة من نتاج أبيه.

فارق كبير بين جيل الآباء الذى ركب الحياة وجيل آخر ركبته الحياة. آباء الخمسينات والستينات كانوا يوصفون بالغلظة والقسوة، لكن غلظتهم وقسوتهم كانت معجونة بالعطف والحنان، شأنهم فى ذلك شأن كل الآباء الطبيعيين. وقد كانوا فى كل الأحوال خيراً من أطفال الخمسينات والستينات الذين تعودوا أن يُقبّلوا أيدى آبائهم إجلالاً واحتراماً، ولما أصبحوا آباء قبَّلوا أيدى أبنائهم وزوجاتهم ليس من قبيل الرحمة والعطف، ولكن من منظور الضعف والخوف.

«رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ».

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأب الذى رحل الأب الذى رحل



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:27 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
 العرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب
 العرب اليوم - بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 22:11 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
 العرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 19:05 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

زيلينسكي يطالب أميركا بتسليم أسلحة بعيدة المدى فوراً
 العرب اليوم - زيلينسكي يطالب أميركا بتسليم أسلحة بعيدة المدى فوراً

GMT 06:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إنقاذ السودان تأخر كثيرا

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 05:32 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:03 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 30 امرأة بمسيرة استهدفت "تجمع عزاء" شرق الأبيض بالسودان

GMT 06:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

GMT 03:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تطرح مشروع قوة في غزة بإشراف إسرائيلي

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 06:47 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ظاهرة فاروق حسنى!

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء ديكور يكشفون عن 5 ألوان يجب تجنّبها في خزائن المطبخ

GMT 17:35 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد قوة الرضوان في حزب الله

GMT 09:51 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الممثلة الأميركية ديان لاد عن 89 عامًا

GMT 13:47 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 18:36 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام شاهين تكشف حقيقة خلافها مع لبلبة بطريقتها الخاصة

GMT 09:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرع 3 مواطنين مصريين بصواعق رعدية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab