تحول لبنان الهش نحو السلام الآن
أخر الأخبار

تحول لبنان الهش نحو السلام الآن

تحول لبنان الهش نحو السلام الآن

 العرب اليوم -

تحول لبنان الهش نحو السلام الآن

بقلم : نديم قطيش

ليس السلام في لبنان خياراً، على ما باتت تدرك أغلبية القوى السياسية وأركان السلطة؛ بل بات يحمل سمات الشرط الوجودي والتوجه القسري الذي فرضته الدولة باقتصادها المنهار ومؤسساتها، وبعض ركائز عقدها الاجتماعي.

استلزم الإقرار علنية بلحظة التحول الحذرة والهشة هذه، توظيف ثقل زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى بيروت. جاءت الزيارة كفعل مباركة رمزية لخيارات سياسية تنطوي حكماً على تنازلات مؤلمة، في رحلة الخروج بلبنان من أَسْر عقيدة «المقاومة» إلى الواقعية القسرية، وخدمة الاستقرارين الاقتصادي والسياسي.

استبقت إسرائيل المشهدية الفاتيكانية في بيروت باغتيال القائد العسكري لـ«حزب الله» هيثم علي طبطبائي، رهاناً منها على أن المظلة الدولية والروحية والإنسانية ستمنع أي رد عسكري، إن كان لا يزال بوسع الحزب أن يرُد. كما أرادت للاغتيال وعدم الرد عليه أن يكونا بمثابة اعتراف ضمني بأن تكلفة فتح جبهة شاملة باتت تتجاوز قدرة الحزب، وتعلن نهايته العملية.

الزيارة التي استبقها اغتيال طبطبائي، أعقبها تعيين الرئيس اللبناني جوزيف عون الدبلوماسي السابق المحامي سيمون كرم، لقيادة الوفد اللبناني في محادثات الناقورة مع إسرائيل. المعاني التي انطوى عليها تعيين كرم تتجاوز صفته المدنية إلى هويته السياسية السيادية الصلبة المضادة للسلاح، وإرثه المديد في تأسيس اللقاءات والتجمعات والأحلاف المضادة لمنطق الحزب ومرجعياته الخارجية.

المفاوضات التي يترأسها كرم تتجاوز هذه المرة البحث في شؤون الحدود والأراضي إلى البحث في ترتيبات خاصة للتحقق «الأجنبي» من نزع السلاح، وخطط تالية تبحث في المستقبل الوظيفي للحدود اللبنانية الإسرائيلية، عبر الاقتصاد والتنمية وإعادة الإعمار. الهدف غير المعلن هو تحويل مسار نزع السلاح وإعادة الإعمار إلى جزء عضوي من آلية أشمل، لاجتثاث سلاح «حزب الله».

أن يحظى هذا الاختيار بموافقة عابرة للطوائف، ولو على مضض شيعي، مؤشر إلى تحول هيكلي، يعزز للمرة الأولى صدقية خطاب لبنان عن الالتزام الكامل بالقرار 1701. وفي هذا السياق لا يمكن إلا التوقف عند تصريحات النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وأبرز حلفاء «حزب الله». استعار خليل من الشيخ الجليل الراحل محمد مهدي شمس الدين، من دون أن يسميه، قاعدة «ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب (الأمة)»، معتبراً أن «إسرائيل تبقى العدو»، وملوحاً في الوقت نفسه بالقبول الواقعي بالسلام والتطبيع.

كما التغطي بالبابا، يتغطى بعض الخطاب الشيعي بفقه الاجتماع السياسي المعاصر لشمس الدين، بغية تبرير فتح الباب الخلفي للتطبيع الوظيفي.

في سياق مماثل، جاءت تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، واضحة في أن الحزب يواكب توجهات الدولة اللبنانية، ويقف خلف قرارها باعتماد الحلول الدبلوماسية. أما تشدده في أن «مسألة نزع سلاح المقاومة غير مطروحة، ولم ولن تكون موضع قبول»، فما هو إلا لغو مخصص لجمهوره، لتمرير قبوله بما لم يكن ممكناً للحزب أن يقبله سابقاً.

مع ذلك، يتسم مسار السلام والتطبيع اللبناني- الإسرائيلي القسري بمتانة هشة؛ حيث تتوازن عوامل البقاء مع تهديدات داخلية وخارجية عميقة. يوفر الإجماع العابر للطوائف بين القيادات على تجنب حرب جديدة، مدعوماً برغبة «حزب الله» البراغماتية في عدم تدمير بيئته الحاضنة أكثر، إلى جانب الاهتمام الأميركي- الفرنسي الواضح بتثبيت الهدوء وإعادة الإعمار، حوافز كبرى لنجاح هذا المسار.

بيد أن هذا الإجماع تهدده نقاط ضعف جوهرية، على رأسها أن مسلك القيادة السياسية يعطي الانطباع -خلافاً للواقع- أن لبنان يتخذ قراراته بفعل الضغط الدولي، وليس بفعل الإرادة الشعبية الأصيلة، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام الطعن في وطنية هذا المسار برمَّته. أما «حزب الله» الذي يُظهر أعلى درجات ضبط النفس، فإنه يحافظ على «التهديد بالرد» إذا تجاوزت المحادثات الأمن إلى نزع السلاح كاملاً، أو انخراط لبنان في ترتيبات سياسية واقتصادية وأمنية بعيدة المدى.

وإذ يلوح خطر انتهاء تفويض «اليونيفيل» وتناقض الموقف الإسرائيلي بين خطاب «الفرص السياسية» والمطالب الأمنية، والمراوغة الإيرانية على «تقطيع» فترة ولاية الرئيس ترمب، يتحول هذا المسار فعلياً إلى مادة مؤجلة للطعن في وطنية مَن هندسوه وساروا فيه، وتحويل فرصة السلام إلى حلقة خيانة جديدة تتطلب التصحيح الثوري حين تحين الفرصة.

يمثل التحول اللبناني الجاري خطوة ضرورية للبقاء، تدعمها درع دولية أميركية فاتيكانية بشكل رئيسي، ومناخ عربي موازٍ، وتستفيد من عجز داخلي عن إسقاطها. ولكن ما لا ينبغي السماح له بأن يترسخ أكثر، هو أن تظل هذه اللحظة «مسار سلام بلا ثقة». فينبغي تمتين الأساس السياسي والشعبي لخيار السلام في لبنان، بوصفه رؤية للمستقبل، وليس فقط عملية توازن قسرية دقيقة للمصالح بين القوى الإقليمية.

إن جوهر اللحظة يجب أن يكون أن لبنان قرر أن مستقبله يكمن في صناعة السلام لنفسه وللمنطقة، وعدم الاكتفاء بخطوات أولى لتفكيك سلاح الحزب.

arabstoday

GMT 18:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 18:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 18:49 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 18:45 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 11:59 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الإسلام السياسي

GMT 11:54 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

قمة مصرية إسرائيلية

GMT 11:51 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الانتخابات التى عرفناها

GMT 11:48 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

السلاح لا يخفي صوت الضحايا إلى الأبد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحول لبنان الهش نحو السلام الآن تحول لبنان الهش نحو السلام الآن



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 14:36 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صندوق النقد يحث الصين على إصلاحات هيكلية عاجلة لتعزيز النمو

GMT 08:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

محمد إمام يكشف تفاصيل مسلسله الرمضاني مع هذه النجمة

GMT 08:48 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

محمد صبحي بين انتقادات موقفه مع سائقه ودفاع جمهوره

GMT 11:46 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

زمن الاستقطاب العميق

GMT 11:48 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

السلاح لا يخفي صوت الضحايا إلى الأبد

GMT 11:59 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الإسلام السياسي

GMT 12:33 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

تمدّد الإخوان في أوروبا وتحوّلهم إلى شبكة نفوذ عابرة للحدود

GMT 12:04 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تؤكد أن انتظام مواعيد النوم يخفض ضغط الدم ويحمي القلب

GMT 09:13 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ماجد المصري يكشف أسباب رفض نجله العمل معه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab