محور الميليشيات خارج الزمن

محور الميليشيات خارج الزمن

محور الميليشيات خارج الزمن

 العرب اليوم -

محور الميليشيات خارج الزمن

بقلم : نديم قطيش

رغم دمار حرب غزة وتكلفتها البشرية المروعة، فإنَّ الشرق الأوسط يسير بثبات في اتجاه واحد: السلام الشامل والاستقرار، والتكامل الاقتصادي، والدمج التكنولوجي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

لم يعد محور الميليشيات قادراً على مجاراة هذا الزخم، رغم توفر العتاد والعناد والالتزام الآيديولوجي؛ لأنَّ اللحظة التاريخية التي مدَّت هذه الحركات بأسباب الحياة قد ولَّت.

زائر سوريا هذه الأيام مثلاً، لن يعثر على هموم مقاوماتية، بقدر انشغال السوريين بعقدهم الاجتماعي ونهوضهم الاقتصادي وتثبيت أركان دولتهم الجديدة.

تنشغل الشعوب العربية بقضاياها وتحديات مجتمعاتها ودولها، في المشرق كما في الخليج، على وقع التغييرات التكنولوجية الهائلة، والفرص والتحديات الاقتصادية، والتكاليف العملاقة لمنطق المواجهة الدائمة.

لقد قيل بوضوح شديد إن «طوفان الأقصى» ما حصل إلا لجرف هذه الوقائع السياسية العربية المتراكمة من الاتجاه نحو السلام والاستقرار وصنع التقدم.

والحال، فإن حقيقة استئناف إدارة الرئيس ترمب هذه المباحثات، في سياق مبادرة وقف حرب غزة على أبواب تمام سنتها الثانية، تكشف أن ما حصل ليس أكثر من تعثُّر مؤقت في مسار ثابت ووجهة وحيدة تسير نحوها المنطقة. فهذه هندسة دبلوماسية مبنية على المصالح الواقعية.

من هنا، يبدو لي أن أفضل ما حدث للقضية الفلسطينية هو أن إدارة ترمب -بالتنسيق مع السعودية ودول أخرى- وضعت إطاراً واقعياً وبراغماتياً للحل، وربما لإقامة الدولة، بدلاً من الوهم بأن الطريق إلى الدولة الفلسطينية يمر عبر خطاب اليسار التقدمي، وشعارات «الفصل العنصري» و«الإبادة الجماعية» و«حق تقرير المصير»، وسائر القوائم اليسارية التي أكسبت الفلسطينيين حرم الجامعات، وأفقدتهم التأثير السياسي الحقيقي.

صار ربط القضية الفلسطينية بالحركات التقدمية الأميركية عبئاً استراتيجياً على أصحابها، وجعلها عنواناً مسموماً لدى القوى المحافظة داخل وخارج الإدارات الأميركية. في المقابل تقدم السياسة الترمبية، بالتحالف مع الدول العربية المحافظة سياسياً، مقاربة للقضية الفلسطينية تستند إلى المصالح الاقتصادية والأمن والاستقرار؛ لا إلى منطق العدالة الرمزية أو التحالفات الآيديولوجية، ما قد يقدِّم نموذجاً بديلاً للفلسطينيين لتحقيق نتائج ملموسة لم يحققها الخطاب القيمي الأخلاقي.

كما أن حجم المأساة الإنسانية العميقة التي ضربت غزة، تسلِّط الضوء على الطبيعة الكارثية للمقاومة المسلحة العاجزة عن حماية المدنيين والسكان، في ذروة ادعاء القتال باسمهم.

فقد غيَّر دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية، وأنشطة المراقبة المعززة، وقدرات الاستهداف الدقيق عبر المُسيَّرات والروبوتات، حسابات الصراع المسلح بطرق مثيرة، كشفت أن المتقاتلين يعملون في زمنين مختلفين.

لا تفسر التكنولوجيا وحدها انهيار محور الميليشيات. ولكن الفارق النوعي الذي تمثله يسرِّع الإرهاق الآيديولوجي لحركات المقاومة الثورية التي تتبنى تعريفات متخلفة للقوة، من دون القدرة على تحقيق انتصارات تذكر، بينما تضحي بأسباب الازدهار والتنمية.

ثمة تحول جيلي يحصل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يعمل على تغيير جذري للمشهد السياسي، ويعيد تعريف الأولويات والمصالح. شهد هذا الجيل -وإن لم يكن مؤيداً للتطبيع مع إسرائيل- فشل نموذج المقاومة، ونجاح النموذج المضاد الذي اختار الاندماج في الاقتصاد العالمي، وما يمليه من تسويات سياسية. فهؤلاء مواطنون رقميون، متصلون بالشبكات العالمية، ومدركون للفرص التي تتجاوز ظروفهم المباشرة، وكثير منهم غير مستعدين لمزيد من التضحية بمستقبلهم من أجل صراعات آيديولوجية من العقود الماضية.

تحرُّك المنطقة نحو السلام ليس نقيضاً للعدالة، وليس خضوعاً للظلم؛ بل هو لحظة إعادة تعريف للقيم؛ لأن المستقبل للتكامل، لا للعزلة، للتقدم التكنولوجي، لا للنقاء الآيديولوجي؛ للدبلوماسية والتنمية، لا للمقاومة الدائمة.

لن يكون هذا التحول سلساً أو خطاً مستقيماً أو خالياً من النكسات. فالقوى الفاعلة تقاوم التغيير، في حين يعارض أصحاب المصالح المكتسبة التكيف مع وقائع جديدة، وهو أمر تعززه ديمومة المظالم الحقيقية من دون حل. كل ذلك لا يلغي أن محور الميليشيات لا يخسر المعارك أو الأراضي فحسب؛ بل يخسر راهنيته، في منطقة تتحرك نحو مستقبل لا يمكنهم توفيره ولا يمكنهم منعه.

 

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محور الميليشيات خارج الزمن محور الميليشيات خارج الزمن



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab