مصطلحات ومفاهيم

مصطلحات ومفاهيم!

مصطلحات ومفاهيم!

 العرب اليوم -

مصطلحات ومفاهيم

بقلم - حسين شبكشي

عندما أطلق المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي مقولته العبقرية التي قال فيها: «لكي لا نكون مستعمرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار»، أكاد أجزم أنه لم يكن يقصد بمصطلح الاستعمار تلك الصورة النمطية المكرسة في الأذهان، التي تصور قوى عسكرية للاحتلال من قبل جيوش غربية، ولكني أعتقد أن هذا الوصف الدقيق يشمل أيضاً الاستعمار بالأفكار والثقافات. والحديث بالتالي سيأخذنا إلى أشكال جديدة من الاستعمار، ليس المقصود به الاحتلال الإمبريالي الصريح من قبل الإنجليز والفرنسيين وغيرهم لعدد غير قليل من دول العالم، ولكن المقصود هنا الاستعمار اللطيف أو الخفيف أو الذكي أو الناعم، وجميعها تصف نفس الشيء المقصود.
استعمار مبني على أفكار بسيطة ولكنها مهمة جداً، وتسخر معها منظمات دولية عابرة للحدود بأذرع رقابية وحقوقية غليظة ونافذة تتجاوز حدود السلطة السيادية لكل الدول حول العالم بشكل نافذ وفعال. وهذه المنظمات تقف على أهبة الاستعداد وجاهزة تماماً للانقضاض الفوري لفرض تلك الأفكار.
وهذه الأفكار بمختلف أشكالها تحولت مع الوقت إلى ملفات ثقيلة وكاملة، تطفو وتخبو وتعلو وتنخفض، بحسب حاجة قوى التأثير لها كأدوات ضغط أو وسائل تهديد أو حتى أسلحة ابتزاز.
وهناك نماذج عديدة تظهر لنا بشكل جلي وواضح، أن عمليات انتقام من دول بأكملها قد تمت تحت ذريعة وحجة «عدم القيام بعملها بالمضامين الحقيقية لتلك الأفكار والمصطلحات». هناك قوى من نوع ثالث، وهي قوى وسائل التغيير المصحوبة بالتقنية الحديثة، كما رآها الوزير والسفير السعودي الراحل هشام ناظر في كتابه المهم جداً «القوة من النوع الثالث»، الذي أسهب في شرح هذا المفهوم بقوله: «من السذاجة ألا ندرك أن مصطلحات من نوع (الديمقراطية) و(حقوق الإنسان) و(البيئة النظيفة) يمكن أن تستخدم لتحقيق غايات ومصالح سياسية واقتصادية للعالم الغربي... يجب ألا نغفل احتمالات التأثير السياسي لمثل هذا التلاعب اللغوي على الأمم المتلقية».
ولعل أحد أهم القادة الذين انتبهوا مبكراً لخطورة الطرح المقدم وأبعاده كان رئيس الوزراء السنغافوري الراحل لي كوان يوو، الذي اعتبر أن المسألة هي في المقام الأول مسألة «قيم»، وأن قيم الحضارة الغربية لا تصلح للمجتمعات الآسيوية، فالغرب يركز على مصلحة الفرد بينما تركز المجتمعات الآسيوية على مصلحة الجماعة. وقد استمر لي كوان يوو حذراً جداً من الأطروحات الحقوقية التي تفرضها عليه المنظمات الدولية، ولم يبالِ واهتم باستقلال القضاء وتمكينه، واستثمر في التعليم بشكل مذهل، وفتح وحرر قوانين بلاده لجذب الاستثمار، فتحولت سنغافورة مع الوقت إلى قصة نجاح مبهرة بالرغم من «تحفظات» المنظمات الحقوقية.
وعلى الصعيد العربي، أثار الكاتب والمفكر الكبير الراحل جلال أمين في كتابه اللافت والمهم بعنوان «تنمية أم تبعية اقتصادية وثقافية»، الشك والخوف من كثير من المقولات المقولبة التي تأتي على اقتصاديي التنمية المحدثين، ويحاول هو أن يعيد التركيز على الجانب الاقتصادي من مشكلة التنمية أو النهضة، ويرفض الكاتب تحديد هدف البلاد الفقيرة بأنه مجرد «اللحاق» أو «سد الفجوة» بينها وبين البلاد الصناعية المسماة الدول المتقدمة، أو دول العالم الأول، ويشكك أيضاً في التوصيف المطلق لهذه البلدان بأنها «بلاد الرخاء والرفاهية». وقد عاد نفس الكاتب للإسهاب والتوسع والتعمق في هذه الأفكار في كتاب آخر اختار له عنوان «خرافة التقدم والتخلف: العرب والحضارة الغربية في مستهل القرن الحادي والعشرين»، أثار فيه شكوكاً عديدة ومحترمة عن صحة الاعتقاد بفكرة التقدم والتخلف، وذلك لأن هذه الفكرة ليست موغلة في القدم وجديدة ومستحدثة نسبياً، وبالتالي اعتبر من السخف الاعتقاد بأن بعض الأمم أكثر تقدماً في مضمار «التنمية الإنسانية» عن غيرها. وهذه المسائل اعتبرها مبكراً الكاتب الأميركي الكبير جوزيف ناي (صاحب مصطلح القوة الناعمة) أن هذه المعايير والمقاييس والأفكار والمصطلحات، هي أدوات تحكم وسيطرة في منهجية القوة الناعمة.
الاستعمار له أشكال مختلفة يقع تحت سيطرته من يكون عاجزاً عن تقديم مشروع متكامل فيه صون وكرامة الإنسان كهدف أساسي، لأن ذلك كان أهم أسباب تفوق المشروع الغربي حتى اليوم.

arabstoday

GMT 18:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 18:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 18:49 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 18:45 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 20:14 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصطلحات ومفاهيم مصطلحات ومفاهيم



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab