هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا

هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا؟!

هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا؟!

 العرب اليوم -

هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا

بقلم : د.محمد الرميحى

منذ أن صك الأكاديمي جوزف ناي في كتابه «ملتزمون بالقيادة - في 1990» مفهومه القائل بـ«القوة الناعمة للولايات المتحدة»، وعاد إليه تكراراً بتوسع في كتابه الثاني «القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الخارجية - 2004»، وفكرة «القوة الناعمة» يعود إليها الأكاديميون الأميركيون مفاخرين بتلك القوة «السينما والموسيقى والكتب والتقنية الحديثة ونظام الحكم والقضاء المستقل، وحتى بنطال الجينز»، والتي قال بعضهم إن تلك الوسائل كانت المعاول التي هدمت سور برلين قبل أن تبدأ المعاول والجرافات الحقيقية في هدمه!

تكاثرت الكتابات من وقتها عن القوة الناعمة، فقد كانت الفكرة قريبة إلى العقل، فمعظم البشر في العالم يحلم بالهجرة إلى الولايات المتحدة، كما أنها البلد الأكثر استقبالاً للطلاب ونشراً للكتب والأكثر في علو سقف الحريات والتقنية المتقدمة.

ذلك كان يمثل لكثيرين مكاناً جاذباً ومجتمعاً يحترم الحريات ويوازن بين السلطات.

كل ذلك بدأ العالم في السنوات الأخيرة يلقي شكوكاً كثيفة عليه، بعد سلسلة من المشاهد الصاخبة للسياسيين الأميركيين في أعلى قمة الهرم السياسي.

دونالد ترمب مثال صارخ على تأكّل «القوة الناعمة الأميركية» في نظر العالم؛ فهو قد ضرب عرض الحائط بكل القيم التي تحدث عنها المنظّرون الأميركيون، فقام بتشجيع مجموعة صاخبة من الفوضويين للهجوم على قلعة الديمقراطية الأميركية، وقام بنقل كم من الوثائق السرية للدولة إلى منزله رافضاً تسليمها، وحاول التلاعب بنتيجة الانتخابات، بل دفع مبالغ لإسكات إحدى السيدات بعد علاقة مشبوهة بها. منذ سنوات كانت شبهة واحدة من هذه الشبهات تطيح الطامع في أي كرسي سياسي، وليس فقط أعلى المراكز في هذه القوة العظمى، عدا صلفه الموثق مع وسائل الإعلام ورجالها ونسائها ووصفهم بأوصاف غير متحضرة. أي من تلك «الجرائم» كانت تأخذ أي شخص إلى السجن، إلا أن الضغوط على مرفق القضاء جعلته يتعامل برفق مع الرئيس السابق، في حالة من حالات «المحاباة»!

الإشكالية الكبرى ليس في ما تقدم، الإشكالية هي في موافقة جزء وازن من الناخبين الأميركيين على تجاوز كل ما هو معروف ومعلن من تعديات قانونية وأخلاقية، والحط من القيم العليا الذي يسبب خسارة فادحة في ما عُرف بالقوة الناعمة الأميركية.

على العكس من ذلك، فإن المشهد في بريطانيا التي تعاني من مرض سياسي أخف مما تعانيه الديمقراطية الأميركية، قد دفع حزب المحافظين رئيسه الأسبق بوريس جونسون إلى الاستقالة من البرلمان؛ لأنه قد قام بتضليل البرلمان، وهو الرجل الذي حقق لحزب المحافظين نصراً غير مسبوق أحرز له أغلبية لم يكن يحلم بها حتى أكثر المحافظين تفاؤلاً، لقد دفعه نفس الحزب إلى الاستقالة حفاظاً على سمعة الحزب لدى الناخب البريطاني، ولم ينتصر له أحد في الشارع.

ذاك التحيز الحزبي للسيد ترمب من قبل قيادات حزبه وجمهوره شيء يستغرب له من كان يؤمن بالقيم العليا الأميركية. إنها معايير مزدوجة، وحالات من التناقض وانعدام التجانس في المواقف، ما ينتج منه أن كل تلك القوة الناعمة تصبح حبراً على ورق!

يمكن توصيف ما يحدث من فوضى في القيم والممارسات بـ«متلازمة الوعي المشدوه»، وهي ظاهرة في معظم الديمقراطيات الغربية التي تشد الممارسة إلى مكان رمادي قريب من ملامسة الشمولية التي ضربت وما زالت معظم دول العالم الثالث.

الحلم الأميركي أخذ في التلاشي، وإن كان التعصب الحزبي واضحاً لدى الجمهوريين، فهو لا يقل عن التعصب في الحزب الديمقراطي، والذي كان تاريخياً أكثر انفتاحاً وتعددية في داخل صفوف المنضمين إليه.

السيد جو بايدن واضح أن كبره في السن قد نال منه، وظهر ذلك في مناسبات عديدة في الإعلام الأميركي، ومع ذلك ليست هناك أصوات في الحزب تطالب بأن يقدم بديلاً له في سباق الانتخابات القادمة في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

ما يعني أن الاحتمال أن يوضع الناخب الأميركي أمام خيارين ليس أي منهما «حلواً»؛ فإما أن يقود الولايات المتحدة شخصية غير منضبطة ولا تأبه بالقانون السائد، وقد خالف مخالفات جسيمة للقانون وازدرى العملية الديمقراطية بكل تفاصيلها، أو رجل كهل لا يكاد يستطيع أن يحفظ بعض الأسطر ليقولها إلى ممثلي الإعلام!

هل شاخت الديمقراطية الغربية إلى ذلك الحد؟ لقد أثرت كل تلك الحقائق على سمعة أميركا، وشكلت هبوطاً عمودياً إلى الأسفل، فهي لا تستطيع أن تسوّق في الخارج ما فشلت في تحقيقه بالداخل، لقد تم خنق التجربة الأميركية، وتضاءلت أصوات التصحيح من داخلها، وتصاعدت الشعبوية، ما يهدد التجربة كلها بالاضطراب والفوضى! ولن تعود للولايات المتحدة دروس تقدمها إلى العالم!

لقد لعبت ثورة الرقمنة دوراً سلبياً ومخرباً في عقول الناس، فأصبحوا يعتمدون على وسائل الاتصال الاجتماعي في فهم ما يدور حولهم بأقل الكلمات عدداً واختصاراً، لذلك تم تسطيح ليس الجمهور العام، ولكن أيضاً حجم كبير مما كان يسمى بالنخب.

التأثير السلبي لكل ما تقدم على الخارج ضخم، فلم تعد القدرة على تسويق «القوة الناعمة» الأميركية على الآخرين؛ لأنها فشلت في عقر دارها، ذلك يفسر الحيرة في الكثير من دول العالم تجاه تلك القوة، والبحث عن قوى أخرى ربما لم تنضج لها «قوة ناعمة بعد».

البعض يرى أن الديمقراطية تصحح نفسها! أمام العالم تجربة ضخمة وكبيرة وطويلة في الزمن هي مسيرة الولايات المتحدة، التي صححت موقفها من المواطنين السود، كما صححت موقفها تجاه العدالة وحقوق الإنسان، فهل تقوم بتصحيح العوار الذي يكاد يعصف بـ«القوة الناعمة»؟!

آخر الكلام: في قول إن الولايات المتحدة حتى لو كان لها رئيس فهو محكوم بعدد من المؤسسات التي تراقب أعماله وتصححها، وقد تدخلت في العقود الأخيرة لفعل ذلك، إلا أن «السمعة» في الخارج قد تدهورت والثقة انحسرت!

arabstoday

GMT 14:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 02:46 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

نيران صديقة فى مهرجان (كان)!!

GMT 02:43 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

بين احتجاجين

GMT 02:37 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

فى رحاب السيدة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا هل تصرُّف ترمب عبء على أميركا



أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:35 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

«عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024
 العرب اليوم - «عادل إمام» الحاضر الأقوى في سينما 2024

GMT 01:03 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

السودان... العودة المنتظرة

GMT 14:29 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصف مدفعي إسرائيلي على وسط رفح الفلسطينية

GMT 04:07 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

فيضانات عارمة تضرب شرق إيران

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أحمد حلمي يخطو أولى خطوات عودته الى السينما
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab