أربع ساعات إلى موسكو

أربع ساعات إلى موسكو!!

أربع ساعات إلى موسكو!!

 العرب اليوم -

أربع ساعات إلى موسكو

بقلم - محمد الرميحي

الاسم ظهر في الأدبيات العامية أخيراً كمجموعة من المرتزقة الروس يحاربون في الأماكن التي تقررها القيادة الروسية، ولكن من دون التورط المباشر والظاهر العلني لتلك القيادة، حتى نشبت حرب أوكرانيا حينما ظهر للناس المسؤول الأول عن تلك المجموعة وتأكد أن تلك القوة الشرسة التي لا تتقيد بمبادئ الحرب، أو حتى بالمبادئ الإنسانية، هي الذراع الفاعلة للقوة الروسية. في الظاهر أن السيد فلاديمير بوتين لم يقرأ كتاب "الأمير" لميكيافيلي الذي حذر رب عمله بالقول: "لا تثق أبداً بالمرتزقة!". لقد قدّم المرتزقة أصحاب الخلفيات الإجرامية الكثير من الخدمات للإدارة الروسية لسنوات طويلة في أكثر من مكان، ولكن في النهاية انقلبت الآية عليها لأنها ببساطة تعودت أن تخرج عن كل ما هو قانوني وعقلاني!

مؤسس هذه المجموعة هو يفغيني بريغوجين، صاحب مطعم في مدينة سان بطرسبرغ. في التسعينات كان يتردد عليه السيد فلاديمير بوتين عندما كان نائباً للمحافظ هناك، وكان قد أدين وسجن لتسع سنوات في العصر السوفياتي، وتطورت العلاقة بين الرجلين بعد ذلك حتى أصبح بريغوجين من كبار رجال الأعمال وتضخمت ثروته حتى أصبحت بمليارات الدولارات، واحتمال أن تأسيس تلك المجموعة العسكرية المرتزقة التي لا قانون لها، كان من أفكار السيد بوتين.

لم تكن علاقة بريغوجين معلنة أو حتى واضحة بمجموعة المرتزقة "فاغنر"، فقد كان ينفي ذلك تكراراً حتى الحرب الأوكرانية التي ظهر فيها بالبزة العسكرية قائداً لتلك المجموعة.

سمعة "فاغنر" سبقت عبر تورطها الفظ في الحرب في سوريا وليبيا وبعض دول القارة الأفريقية، وأخيراً في السودان، وتقول المصادر إن هذه المجموعة تملك أسلحة متطورة ليست متاحة في السوق، بل هي أسلحة تحتاج إلى موافقة دولة للحصول عليها، كما أنها لا تعرف الرحمة أو تتبع قواعد الحروب، فالقتل عندها هو أولوية قبل أي شيء آخر.

بقية القصة معروفة، إلا أن الحرب الأوكرانية، وبخاصة بعد نجاحات حققتها "فاغنر" في تدمير مدينة باخموت الأوكرانية، بدا صاحبها ينتقد علناً القيادة العسكرية الروسية، ويتهم الجنود الروس بالجبن وبالفرار من المعركة، ويتهم القيادة العسكرية بالتخاذل ومنع الأسلحة عن مجموعته، ثم صعّد ذلك الانتقاد بالقول إن بوتين ضلل بمعلومات خاطئة من العسكريين الروس في اتخاذه قرار الحرب في أوكرانيا، بخاصة بعد تغاضي الغرب نسبياً عن احتلاله ومن ثم إلحاقه شبه جزيرة القرم بالمجال الروسي! ثم خطا رئيس "فاغنر" بعد ذلك خطوة أخطر، إذ صرح بأن الدولة الروسية "غير قادرة على الدفاع عن البلاد"! وأخيراً تحتل "فاغنر" قاعدة عسكرية في الداخل الروسي وتتوجه أرتال منها إلى العاصمة موسكو، ما شكل إنذاراً في كل مفاصل الدولة الروسية، قبل أن تتراجع!!

طبيعة الأمور تقول لنا إن التطور الذي يجري هو طبيعي، فعندما تخلق الدولة أو غيرها ذراعاً عسكرية إلى جانب قواتها الرسمية، سرعان ما تنقلب تلك الذراع على صانعها، حدث ذلك في لبنان من خلال وجود سلاحين، واحد للدولة وآخر للميليشيات، الأول يتقيد بقواعد عسكرية صارمة، فيما الآخر يتعامل بطريقة غير انضباطية، فيقتل من يريد متى ما يريد، وكما حدث ويحدث في السودان، فقد خلقت دولة البشير ذارعاً لها معادلة للجيش الرسمي، وقد ذهب الجميع بسبب ذلك إلى حرب أهلية ضروس ما زالت قائمة، المظهر نفسه حدث في ليبيا وأيضاً في اليمن، بمجرد أن تُخلق ذارع مسلحة خارج الدولة، تنبت لها أنياب وتظهر أهداف تختلف تماماً عن الأهداف التي تم تجهيزها لها.

لا يمكن أيضاً التفكير في أن مجموعة "فاغنر" هي فقط مغامرة، ولكن واضح أن هناك حسابات جعلتها تتخذ كل تلك الخطوات الخطرة في اتجاه الدولة الروسية، لعل من بين تلك الأسباب الوهن الذي اكتُشف على أرض المعركة، فقد تبين أن أقوى ثاني جيش في العالم لم يستطع أن يروّض جيشاً متوسط العدة كمثل جيش أوكرانيا. صحيح أن الغرب ساعده بالمعدات، ولكن الأكثر صحة هو الإرادة الوطنية الأوكرانية، ولقد كان كثيرون يعتقدون أن الأمر لن يتعدى أسابيع حتى تدين الدولة الأوكرانية لإرادة الكرملين، ولذلك أعطيت الحملة العسكرية اسماً على أنها "عملية عسكرية" وليست حرباً.

اكتشاف قيادة "فاغنر" ذلك واعتماد الدولة الروسية عليها عززا من تطلعاتها، عدا أن قيادة "فاغنر" وجدت أن هناك تياراً في الداخل الروسي، وإن كان غير معلن، غير مؤيد للعملية العسكرية، بخاصة عندما طالت في الزمن وتعاظمت في عدد الضحايا البشرية من الروس.

تلك العوامل جعلت هذه المجموعة العسكرية الميليشيوية المرتزقة تجد نفسها بديلاً للدولة التي ضاعت بوصلتها في حرب لم تعرف كيف تخطط لها، ومن المحتمل أن يتصاعد الصراع ويحدث شرخاً في الصف الروسي الذي يظهر الآن بمظهر المتوحد، ولكن ذلك التوحد دافعه الخوف من المجهول وليس الإيمان بصواب قرارات الحكم، ومنها شن الحرب.

بمجرد أن يسقط حاجز الخوف، وهو ما نتج من فعل قيادة "فاغنر" المقامرة الآن، سيتفكك جدار التعاضد الشكلي والتأييد الظاهري للنظام في الكرملين من الجمهور الروسي، وذلك أمر تنبأت به كتابات مختلفة منذ زمن، وقارنت بين احتمال خسارة الحرب في أوكرانيا وخسارة الدولة السوفياتية الحرب في أفغانستان قبل عقود، والنتيجة المتوقعة هي تغيير في النظام، فهل يحدث؟؟ الأيام والأسابيع القادمة ستقدم جواباً عن ذلك التساؤل، لقد كان بين التغيير وعدم التغيير فقط أربع ساعات من الزمن!!

arabstoday

GMT 18:04 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 05:17 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 05:14 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 05:10 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

بورصة أسماء الوزراء

GMT 05:07 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

الرد على الرد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربع ساعات إلى موسكو أربع ساعات إلى موسكو



أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
 العرب اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 العرب اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 10:20 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا

GMT 01:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نانسي عجرم بإطلالات عصرية جذّابة

GMT 14:28 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 08:39 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع أسعار النفط مع هبوط الدولار

GMT 18:03 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"

GMT 18:13 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

«باش جراح» المحروسة

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab