بين مصيرين الفوضى أو القمع

بين مصيرين: الفوضى أو القمع

بين مصيرين: الفوضى أو القمع

 العرب اليوم -

بين مصيرين الفوضى أو القمع

بقلم: محمد الرميحي

في اغلب الدول العربية يعيش المواطن بين مصيرين، إما الفوضى وإما القمع، وليست لديه قدرة حتى على أن يختار بينهما، فلا يوجد خيار ثالث مع تضاؤل النتائج ذات الخيارات الأخرى الشبيهة بالديموقراطية، في الذهن العراق مثالاً، وليس الوحيد.

كان السؤال العراقي الذي يلح علي لفترة: متى يشفى العراق ويصبح أقرب الى الدولة الطبيعية؟ قضيت فترة انتقل بين تواريخ عديدة لخروج العراق من فترة المرض ولكنها لم تأتِ.

اليوم يلح على سؤال آخر هو ليس متى؟ ولكن هل يشفى العراق من نكبته؟ من متابعتي للشأن العراقي في السابق كنت توقعت أن ينقسم العراق الى أكثر من مكون، كنت متفائلاً وقتها، انقسم العراق وهو في مكانه، وقرر ما يعرف بقادة العراق اليوم أو أكثرهم أن يبقوا العراق في مكانه الصعب أو حتى المستحيل، فقر ومرض وانعدام أمن وتفكك على الأرض وتصحر بيئي وسياسي، والأهم ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران تعمل بالممنوعات والابتزاز، دولة فيها مجموعات مسلحة خارج سلاح الدولة لا يتوقع لها الإفاقة.

العراق بلد تعددي بالمعنى المذهبي و العرقي والمناطقي، ولكن الاعتراف بذلك التعدد لم يسكن عقول معظم حكامه، الكل يريد أن يصهر الكل في تصوره لما هو الشعب العراقي، وتتداعى فكرة قديمة ومرة، فقد نقل عن عبد الناصر أنه سال عبد السلام عارف كم نسبة الشيعة في العراق؟ رد عارف بالقول انهم 7 في المئة من المسلمين في العالم، ذكر في العالم وليس في العراق هرباً من مواجهة الواقع!

لو تم الاعتراف بالتعدد لكان الطريق للخروج الى بر الأمان أكثر وضوحاً للشفاء من أمراض العراق، إلا أن البعض يريد أن يستولي على الكل، هو سندروم الشمولية المغروس في الشخصية العراقية التي كما وصفها علي الوردي تحب بشكل عاصف وتكره الى حد القتل!!. أو كما نقل لي أحد الأصدقاء البعثيين من سنوات طويلة سابقة، قال: "كنت أعذب الرفاق البعثيين الذين خرجوا عن الصف وعيوني تدمع!" أما تجربة صدام حسين فكان الإعدام أقل عقوبة يلقاها من يشك في ولائهم (للسيد القائد) والذي لولاه (ما ظهر القمر)!!

ظن المخطط الأميركي بعد عام 2003 أنه يمكن تطوير العراق بنموذج قريب الى الديموقراطية التعددية ولكنه فشل، فتكوّن دستور معيب وتفاقم الأمر بالتدخل المباشر والفج للنظام الإيراني، وتطبيق استراتيجيته في تربية طائفة من المجتمع تأتمر بأمره، في الظاهر تحت علاقات طائفية ومذهبية مقدسة وفي الحقيقة علاقات مصالح أساسها التمكين لتلك المجامع في ثروات الدولة العراقية وأيضاً بالقوة المسلحة، واستخدام العراق ساحة للتدافع الإقليمي والدولي.

يعجب المتابع للشأن العراقي في كيفية صيرورة المجتمع السياسي العراقي، من تعددية حزبية على النمط الغربي إبان فترة الحكم الملكي، الى شمولية قمعية في فترة حزب "البعث" العراقي، وعلى الرغم من ما شاب تلك الفترات من ثقافة سياسية تدعي الاختلاف والحداثة، إلا أنه ما إن رفع غطاء الشمولية حتى عاد البشر يزحفون على بطونهم في طقوس لم تكن مشاهدة وأصبحت الإجازات الخاصة بذكرى المعارك القديمة الضاربة في التاريخ والتي تحيا في العراق تمثل ثلث أيام السنة على الأقل، مع انتاج طائفة من السياسيين فقراء في قدراتهم وخبرتهم الى حد الإفلاس المعنوي مع شراهة للاستحواذ على المال العام.

بل مع أي نقاش سياسي بمجرد أن تتحدث عن تلك المظاهر الإنسانية المستحدثة (تقديس الطقوس) حتى تقابل بغضب... إنك تمس (المقدسات) لإسكات المناقش بل وترهيبه.

في التسريبان الأخيرة للسيد نوري المالكي تظهر بوضوح سوية الثقافة السياسية بل الذكاء السياسي المحدود لطاقم السياسيين العراقيين، السيد جورج بوش الابن يظهر بالمقارنة مع السيد النوري أن الأول رجل ذكي ومثقف!!.

الهجوم الذي راح ضحيته عدد من الأبرياء في مدينة زاخو العراقية الأسبوع الماضي، أياً كان المتسبب، سواء التركي أم غيره ،فإن المعروف أن "حزب العمال الكردستاني" المعارض لتركيا يلقى التمويل والرعاية من بعض الجماعات الولائية العراقية المسلحة والممولة من إيران، فقد أصبح العراق ساحة لتصفية الخلافات و التدافع الإيراني - التركي، أو رفع سقف الضغوط بين القوى الإقليمية الطامحة للسيطرة.

ليس من مصلحة لا إيران ولا تركيا استقرار العراق، فبقاؤه ساحة ومكان تمويل واستنزاف يناسب القوتين في تصفية حساباتهما واختلافاتهما بعيداً من اراضيهما.

استقرار العراق فقط مصلحة عربية بشكل عام وخليجية على وجه التحديد، لأن الفوضى في ذلك البلد يمكن أن تفيض على الجوار، او تستخدم من قبل القوى الإقليمية للتنمر على الجوار وإثارة الشقاق وهي تنذر بفوضى عارمة في الإقليم.

لا يجد المراقب مخرجاً صحياً لما يحدث في العراق من تفاعلات وصراعات إلا بالتفكير في المخرج اما الشعبي (أي طريقة سيرلانكا) ولو أن هذا الاحتمال ضعيف بوجود السلاح لدى المجموعات الولائية وتحقيق ما تمناه السيد نوري المالكي في تسريباته أي (بحيرات دم) يغوص فيها العراق أكثر مما هو فيه الآن، أو أن يقوم الجيش العراقي الذي بدأ يقوى بعمل سياسي - عسكري، ولو أن هذا الاحتمال بعيد ولكنه ممكن.

لا يرى المراقب أي احتمالات قريبة وعقلانية لخروج العراق من المأزق، من يراهن على ذلك ربما يكون قصير النظر، الأكثر والأقرب للمنطق، هو الاحتياط من انفجار عراقي كبير يشعل الحريق في المنطقة وتتدخل فيه القوى الإقليمية وربما الدولية، البقاء في المكان كما يتوقع البعض هو ضد التفكير السليم، فالفقاعة العراقية سوف تنفجر في وقت أو آخر وليس ببعيد حيث كل العوامل جاهزة للتفجير!!.

 

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين مصيرين الفوضى أو القمع بين مصيرين الفوضى أو القمع



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 العرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 00:59 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
 العرب اليوم - فيتو أميركي ضدّ عضوية فلسطين في الأمم المتحدة

GMT 15:31 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

شهداء وجرحى في قصف جوي إسرائيلي على قطاع غزة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 6.4 درجة يضرب جنوب غرب اليابان

GMT 19:19 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مصرع وإصابة 102 شخص في أفغانستان جراء الفيضانات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab