الحكومة «الموازية» في السودان مناورة يائسة

الحكومة «الموازية» في السودان: مناورة يائسة

الحكومة «الموازية» في السودان: مناورة يائسة

 العرب اليوم -

الحكومة «الموازية» في السودان مناورة يائسة

بقلم : عثمان ميرغني

عاد إلى الواجهة في المشهد السوداني هذا الأسبوع الجدل حول الحكومة «الموازية» المفترضة، بعد بث مشاهد أداء قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) وأعضاء مجلسه «الرئاسي» الذي سيشرف على هذه الحكومة، القسم لتسلم مهامهم في محاولة لتقديم أنفسهم باعتبارهم سلطة سياسية بديلة. لكن هذه الخطوة، مهما زُينت بالشعارات، لا تعدو كونها مسرحية إعلامية لحكومة متوهمة، ومناورة للتشويش والمساومة، الهدف منها محاولة إظهار القوة وإثبات الوجود بعد الهزائم العسكرية الكبيرة في الميدان أمام تقدم الجيش والقوات المساندة له.

ليس أدل على أن هذه الحكومة هي مجرد مسرح إعلامي، من أن أول قراراتها كان تسمية مندوب «دائم» لها لدى الأمم المتحدة. فالخطوة أشبه بالهزل السياسي، إذ كيف تسمي مندوباً في المنظومة الدولية التي أعلنت سلفاً رفضها لتشكيل سلطة موازية وعَدّتها غير شرعية، مؤكدة التزامها الراسخ بدعم سيادة السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه؟

هذه الحكومة لا تغير الواقع الميداني، ولا تمنح شرعية للقائمين عليها، كما أنها تفتقر لمقومات تحقيق أهدافها، في ظل تراكم العوامل التي تشير إلى فشلها المتوقع ومنها:

- أنها تفتقد أولاً إلى الشرعية بعد أن أعلنت المنظمات الدولية والإقليمية ودول عديدة رفضها لها، والتزمت بعدم التعامل معها، مؤكدة التزامها بمؤسسات الدولة الرسمية، ودعم وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.

- سجل «قوات الدعم السريع» في الانتهاكات الواسعة ضد المدنيين في أنحاء السودان من الخرطوم والجزيرة، إلى دارفور وكردفان، يجعلها منبوذة في أوساط أغلبية السودانيين، ويسقط أي محاولة لكسب الشرعية الشعبية، ويسخر من تسمية حكومتها بـ«حكومة السلام». فهذه القوات حيثما حلت جلبت معها القتل والعنف العرقي والنزوح الجماعي والمجاعة، ما يجعلها أداة رعب لا أمن أو استقرار.

- «قوات الدعم السريع» ميليشيا مهيكلة للحرب وتعتمد على القوة الباطشة، ولا تملك قدرات إدارة دولة. الدليل على ذلك تمثل في فشل الإدارات المدنية التي شكلتها في مناطق سيطرتها السابقة، إذ ظلت تلك الإدارات مجرد واجهات إعلامية بلا أي دور أو نشاط يذكر سوى بعض الظهور المتقطع في فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كانت السيطرة والسلطة الفعلية هي لبندقية المجندين غير المنضبطين.

- التحالف بين حميدتي وشقيقه عبد الرحيم مع عبد العزيز الحلو زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) في منصة «تأسيس» هو زواج مصلحة هش بين طرفين بينهما تاريخ من العداء العسكري والقبلي ولا يتوقع أن يصمد. كذلك، فإن تبني «قوات الدعم السريع» لشعارات الحركة الشعبية في موضوع العلمانية، هو قمة الهزل والتهريج، فماذا تعرف هذه القوات أو قائدها عن العلمانية التي صعب عليه حتى نطقها أثناء مراسم القسم؟

- «الدعم السريع» ليست كتلة صلبة موحدة، بل هي تحالف ميليشيات قائم على الولاءات القبلية والجهوية، وكثيراً ما تحدث بين عناصرها احتكاكات ومواجهات مسلحة، وسط اتهامات بالتمييز والعنصرية من مكونات بعينها ضد أخرى. ويبقى مرجحاً دائماً نشوء صراعات حول الموارد والمناصب مثلما ظهر عند تشكيل حكومة «تأسيس»، عندما شكت مجموعات قبلية من تهميشها وهددت بالتمرد. أضف إلى ذلك أن هناك مكونات قبلية كبيرة ذات نفوذ على خلاف مع قيادة «الدعم السريع» وتعارض مشروعها، وتراها مصدر خطر تجب مواجهته.

قيادة «قوات الدعم السريع» من خلال إعلان الحكومة أرادت أن تقول إنها ليست مجرد ميليشيا مسلحة، بل طرف قادر على الحكم ويملك «مشروع دولة» مع حلفائه في «تأسيس». لكن هذه الصورة سرعان ما تتهاوى أمام الواقع، إذ رفضت المنظمات الدولية والإقليمية إعطاءها أي مشروعية؛ لأنها تعلم أنها تتعامل مع ميليشيا، مثلما أن كل الحيثيات القائمة تؤكد عدم وجود بنية مؤسسية تسمح بتحويل القوة العسكرية إلى سلطة حكم. قد تتعامل الأطراف الدولية مع «الدعم السريع» على أنها حامل سلاح يمكن الجلوس معه لإنهاء الحرب، لكنها لن تعترف بها حكومة. في المقابل؛ فإن الجيش السوداني يبقى هو المؤسسة العسكرية الرسمية للدولة التي يتعامل معها العالم على هذا الأساس.

الحقيقة أن حكومة «الدعم السريع» المزعومة لن تستطيع فرض سلطتها على كامل دارفور وكردفان، ناهيك عن ادعائها بأنها حكومة لكل السودان. فـ«قوات الدعم السريع» ليست لديها سيطرة مطلقة في دارفور وكردفان، ولدى الجيش السوداني والقوات المساندة له وجود قوي هناك مكنهم من صد أكثر من 235 هجوماً على الفاشر، والاحتفاظ بمدن وحاميات عسكرية مهمة في كردفان، ويستعدون في الوقت الراهن لشن عملية كبرى يمكن أن تقلب كل الموازين هناك.

كل ما سبق يجعل خطوة حكومة «الدعم السريع» مجرد خليط من الاستعراض الإعلامي، والوهم السياسي، والمناورة لإثبات الوجود بعد سلسلة من الهزائم العسكرية. إنها باختصار حكومة على الورق بلا مضمون جدي، أو مقومات للنجاح.

arabstoday

GMT 05:42 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

خمسون سنة ألقاً

GMT 05:22 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تأثير العقوبات على روسيا بين أخذٍ وردّ!

GMT 05:21 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

استنساخ الماضي يخدشه ويؤذي الحاضر

GMT 05:19 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

نساء السودان... ضحايا وحشية الحرب

GMT 05:13 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

التراث الأثري نعمة أم نقمة!

GMT 05:08 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

«اللوفر» وانتهاك هيبة فرنسا

GMT 05:06 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

من الصمود إلى الجدارة

GMT 05:03 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

شلقم في مذكراته... المثقف الذي أفْلَتَ من الموظف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحكومة «الموازية» في السودان مناورة يائسة الحكومة «الموازية» في السودان مناورة يائسة



النجمات يتألقن ببريق الفساتين المعدنية في مهرجان الجونة 2025

الجونة ـ العرب اليوم

GMT 18:48 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

منظمة الصحة العالمية تؤكد ان الوضع في غزة لا يزال كارثيا
 العرب اليوم - منظمة الصحة العالمية تؤكد ان الوضع في غزة لا يزال كارثيا

GMT 13:40 2025 الخميس ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الملك تشارلز والبابا ليو أول صلاة مشتركة منذ خمسة قرون
 العرب اليوم - الملك تشارلز والبابا ليو أول صلاة مشتركة منذ خمسة قرون

GMT 01:41 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب مناطق إسلام آباد

GMT 10:46 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

ريال مدريد يصطدم بطموحات يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا

GMT 19:24 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الحكومة الفرنسية تؤكد أن حماس تستعيد السيطرة على غزة

GMT 23:20 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

واشنطن وتل أبيب تبحثان خطة لتقسيم غزة بين إسرائيل وحماس

GMT 06:24 2025 الإثنين ,20 تشرين الأول / أكتوبر

دليلكِ لتجربة شتوية لا تُنسى في نيويورك

GMT 08:38 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مايكروسوفت تصلح أخطر ثغرة أمنية في تاريخها

GMT 15:05 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

إعلان قائمة المرشحين لجوائز الكاف لعام 2025

GMT 08:14 2025 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

توقعات الأبراج​ اليوم الأربعاء 22 أكتوبر / تشرين الأول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab