مصر التى فى خاطري

مصر التى فى خاطري..

مصر التى فى خاطري..

 العرب اليوم -

مصر التى فى خاطري

بقلم - جميل مطر

 كنت صغيرا أتعلم عندما تلقيت فى هدوء وبارتياح وبالتدريج أول دروس فى الوطنية، وكنت شابا متعلما ومعلما ومسئولا عندما تلقيت فى صخب وبعنف أول دروس التشكيك فيها.

كنت طفلا أتردد مع أمى على بيت أمها لنقضى فى صحبة العائلة الممتدة يوما بليلة أو ليلتين كل أسبوع. هناك فى قلب قاهرة المعز يعيش المصرى ساعات من تاريخ بلده. طراز البيت والمسجد المقابل له ومدرسة حفظ القرآن الملحقة به والسقا الواقف فى انتظار خروج المصلين وبائع البليلة وفى الغالب رافعا جلبابه حتى قرب وسطه، ومن مسافة غير بعيدة يأتى من عشرات الدكاكين المنتشرة على جانبى شارع أمير الجيوش صوت الدق على النحاس تمهيدا لجليه، لا يهدأ الدق إلا عند سماع الآذان صادرا من مئذنة الجامع بأحلى صوت وأجمل لحن.

• • •

لم أقض وقت الطفولة كله فى أحضان عدد غير قليل من الخالات والقريبات، فالرجال قليلون فى عائلتنا. كانت التقاليد تفرض أن نتعلم نحن الصغار بنينا وبنات اللغة العربية والدين بين يدى شيخ معمم. أعتقد الآن، وقد صرت أكبر منه بعقود، أن له الفضل فى وضع الأساس السليم ليس فقط لإتقان اللغة كتابة ونطقا، بل له فضل آخر لا يقل شأنا، وهو أننى تعلمت تفسير كثير من الظواهر والمفاهيم والعادات بإعادتها إلى جذورها فى تاريخ البلد، مصر يعنى، وبخاصة تاريخها السياسى.

• • •

للرحلة الأسبوعية مع والدى إلى حى الحسين والوكالات التجارية العملاقة فى شارع الموسكى والغورية والصاغة لأداء فروض تجديد الولاء للكبار فى عائلته. هناك كنت أسمع، ولم أكن اقتربت من سن الشباب، حكايات حب  فى مصر يرويها باعة من اليهود والمغتربين من الريف والصعيد. كانت لوالدى وأشقائه وأقربائه ممن كانوا فى مثل عمره روايات عن بطولات وتضحيات المصريين فى ثورة 19. يشعر السامع وكأن مصر ولدت فى تلك الثورة، إلا عندما يمتد الحديث إلى ثورة عرابى التى يقسم كل متحدث أنها لم تكن هوجة كما يدعى البعض.

• • •

لا تفوتنى مناسبات كانت ضرورية لتشكيل الوعى الوطنى لطفل ثم مراهق شغوف بمعرفة كل ما هو جديد وكل ما يقف وراء مظاهر أو ظواهر. أتذكر جريدة مصر الناطقة التى كانت تنقل لنا فى دور السينما مظاهر استقبال «جلالة الملك المعظم».

أتذكر الحفاوة التى كنا نستقبل بها زيارات الملك ورؤساء حكوماته. حدث خلال مرحلة أكثر تقدما فى مسيرة نضجى أن استفسرت من والدى عن السبب وراء نقص الحفاوة مقارنة بسنوات الطفولة المتأخرة وسنوات المراهقة المبكرة. أتذكره يقول شيئا عن تدخل الإنجليز فى تفاصيل السياسة المصرية وفساد أهل القصر والشعبية المتزايدة للوفد.

• • •

لاحظت الفتور من استجابات الحضور لظهور الملك وحاشيته فى جريدة مصر الناطقة ومن تحول الشعبية فى اتجاهات أخرى. من هذه الاتجاهات على سبيل المثال الإقبال الأشد على توديع المحمل مزودا بالدموع والفرحة وأحيانا كثيرة الهتاف لفريق الفرسان المرافق له. منها أيضا تصاعد وتيرة مظاهرات الطلبة ضد الإنجليز ثم ضد الملك والإنجليز معا. لا شك فى أن المظاهرات فى حد ذاتها كانت إحدى أهم مدارس بناء الوعى الوطنى.

• • •

بالنسبة لتجربتى الخاصة أعتقد أنه مما رسخ فى عقل الطفل فى تلك الأيام حب الوطن تجنيد الأطفال فى عموم مصر بأسرها لمدة أسبوع كامل للتدريب على الاحتفال بعيد ميلاد الملك وعيد جلوسه على العرش. ظل المنظر فى ميدان عابدين محفورا فى مخيلتى لسنوات عديدة تغذيه أمى التى كانت تفاخر شقيقاتها وجاراتها بابنها المحظوظ.

• • •

رسخ الحب للوطن أيضا، إلى جانب المظاهرات والاستعراضات الرياضية فى ميدان عابدين، الانتخابات الدورية لعضوية مجلس النواب. أتذكر جيدا أحد معلمى الحى وقد امتطى حمارا وأطفال من الأحياء المجاورة بالجلاليب تركض خلفه وهى تهتف باسمه ملحقة به رتبة البكوية. كانت المناسبة كافية لتجعل الحى يعيش فرحة حقيقية لا تُصنع فيها، فها هو ابن الحى يدخل البرلمان تحت القبة التى منحت الحى هيبة إضافية بعد كونه حى سكن موظفى الدولة ومعظم مبانى الحكم.

• • •

كان والدى على حق حين شجعنى على الانضمام لفريق الكشافة بالمدرسة الابتدائية ثم فى المدرسة الثانوية وفى الجامعة. أتصور أنه أراد إلى جانب رغبته فى دعم الوعى بالوطن، وكان محقا فى هذه الرغبة فعائد الانضمام إلى الكشافة مراهقا ثم شابا كان فوق كل تصور.

• • •

دار الزمن دورة من دوراته. صار الشاب رجلا ثم كهلا. تغيرت فيها أمامه السياسات والأشخاص والأشياء. تغير علم مصر الأخضر ولم يقنع الشاب سبب واحد من كل الأسباب التى ترددت دفاعا عن العلم الجديد. ثم تغير لبعض الوقت اسم مصر بل واختفى لسنوات عاد بعدها، وإن ضمن صيغة أوسع، ولكن وسط ترحيب يعزز التمسك باسم مصر، مصر الوطن.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر التى فى خاطري مصر التى فى خاطري



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:13 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 08:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فايزر تعلن وفاة مريض وُضع تحت اختبار دواءهيمبافزي

GMT 09:40 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

وفاة لاعب كرة قدم وسط مباراة رسمية بسبب تميمة سحرية

GMT 08:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة إسرائيلية تستهدف وسط بلدة حولا جنوبي لبنان

GMT 19:52 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أحمد عبد الوهاب الابن الأصغر لموسيقار الأجيال

GMT 09:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

شهيدان بغارة إسرائيلية على حافلة في الهرمل شرقي لبنان

GMT 19:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قادة الأسد السابقون يحاولون استعادة نفوذهم في الساحل السوري

GMT 13:39 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

خبيرة أممية تحذر من ظروف احتجاز زوجة عمران خان

GMT 13:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بنيامين نتنياهو يتوعد «حماس» بعد إصابة ضابط بانفجار في رفح

GMT 08:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 3 عناصر مسلحة في اشتباكات مع الأمن السوري

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 3 أشخاص خلال اشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 23:45 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

خطة إسرائيل الضخمة للتسلح بقيمة 110 مليارات دولار

GMT 10:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

احتفلوا بقيصر وتنازلوا عن الجولان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab