حكاية غصن من شجرة

حكاية غصن من شجرة

حكاية غصن من شجرة

 العرب اليوم -

حكاية غصن من شجرة

بقلم - جميل مطر

غريب وغزير ما فعلته الأيام بحياتى، وغريب وغزير ما فعلته أنا بأيامى. قضيت عصر يوم أمس ومساءه والليل الرابط بين يومين، قضيتها أفكر فى مجمل الأيام منذ اليوم الذى قررت فيه الدولة المصرية تعيينى فى الهند ملحقًا دبلوماسيًا بسفارتها لدى عاصمتها، نيودلهى. جلست ونمت أفكر استجابة فيما يبدو أو خضوعًا لآلة عاطفية هيمنت منذ اللحظة التى وقفت فيها عند الباب أودع ابنى وبعض عائلته فى رحلتهم عائدين إلى مقرهم الدائم فى الولايات المتحدة. تعززت هذه الحالة فى اليوم التالى خلال استقبالى البعض الباقى ليكتمل بهما مراسم توديع هذا الغصن من شجرة عائلتى الصغيرة، غصن نادر فى نوعه وفى تناسق مكوناته.

• • •

فكرت أول ما فكرت فى الصدفة الغريبة التى جمعتنى بأمهم، شريكتى فى غرس النبتة التى نمت حتى صارت شجرة. لم أتوقع يومها أننى بما طلبت من أبيها كنت فى الواقع أطلب يد عشيرة أطرافها متناثرين بين مدينة فاس المغربية وبنزرت التونسية وعكا الفلسطينية وعاليا وبيروت اللبنانيتين ومنبج ودمشق السوريتين وتابعين أو متبوعين فى دول إسلامية شتى مثل جزر القمور فى شرق إفريقيا.

كان مطلبًا لا يمكن رفضه أن نتوجه فور الزواج إلى موقع القيادة فى مدينة عاليا شرق بيروت، للحصول على المباركة الضرورية من ثلاث سيدات تقدم بهن العمر وازددن تدينًا ولم يتخلفن عن ركب الزمن.

• • •

جاء النجل ثمرة مبكرة لهذه المباركات. بدأ يبعث بنواياه وما يزال جنينًا فى بطن أمه. كدنا نفقده جنينًا لولا براعة الأطباء الصينيين المشرفين على رعاية أمه. كدنا نفقده مرة أخرى عندما احترقت فى بومباى الطائرة التى كانت تنقلنا من هونج كونج إلى القاهرة. مرت الأيام بنا وهو معنا ننتقل به إلى روما ثم سنتياجو ثم بيونس آيرس ثم إلى مونتريال ومنها إلى بيروت فالقاهرة.

• • • 

هنا فى القاهرة اختلفنا، أمه وأنا، حول مستقبله، وبصراحة أكثر حول مستقبلنا معه. كان لا بد من وجهة نظرى أن أتيح له فرصة أن يدرس فى الخارج ليتعلم أكثر. لم أحسب بالدرجة اللازمة حساب نية والدته أن تبقيه إلى جانبها ليستقر أمرنا مجتمعين كعائلة. هى نفسها، ولعله الدافع وراء رغبتها أن يبقى ابنها إلى جانبها، لم تنشأ فى عائلة مستقرة الموقع. الأب من سوريا والأم من لبنان وإن كان بين أهليهما وشائج قربى عديدة مثل معظم عائلات بلاد الشام فضلا عن واقع عائلتها، أقصد عائلتنا، الصغيرة الذى هو أيضا لم يعرف الاستقرار فى دولة بعينها ولا فى مهنة واحدة ولا فى بيئات اجتماعية وثقافية متشابهة أو متقاربة.

• • •

الحاصل أننا، هى وأنا، اختلفنا. فمثل أى شىء آخر تعلق بنشأة وتنشئة هذا النجل كان قرار إيفاده إلى الخارج لتلقى تعليمه العالى من أصعب ما واجهنا من قرارات. تصلبت فى موقفى وقلبى لا يسامحنى على ما أفعل وإصرارى عليه بينما الدموع فى عينى أمه لأيام عديدة لا تتوقف.

• • •

أعرف الآن، وبعد سنين وتجارب عديدة أنه من غير المفيد البكاء على ما حدث أو على ما لم يحدث فى أيام خلت، وبخاصة إذا كان ما حدث قد أخذ وقته من الحوار والتفكير العميق والطويل حتى التوصل إلى رضاء عام. مع ذلك عشنا فترات حرجة، هو هناك يتعلم وينضج ويكتسب صفات وخبرات على أيدٍ، وفى أحضان، غريبة، ونحن هنا نتبادل عن بُعد الإشفاق عليه من برودة الطقس وغدر بعض الناس وبعض الزمن، وحيث لا عائلة ممتدة أو صغيرة تمد أغصانها وفروعها لتحميه أو لتحنو عليه. ساعات عديدة فى الليل كما فى النهار نقضيها فى مناقشة الإجابة عن السؤال: أيها أهم، غياب العائلة الممتدة أم وفرة الزميلات والمساعدات والجارات وبينهن واحدة، حسب أوهام أمه، لا شك تسعى جاهدة ومثابرة للاستيلاء على وحيدها الذى سبق وانتزعته من حضنها طموحات ومغريات مواصلة التعليم والارتقاء المهنى.

• • •

سافر الجراح الكبير وعائلته الصغيرة عائدًا إلى مقر عمله فى الخارج. جاء ومعه نجلاه وأمهما وفتاة «أمريكية» صديقة للحفيد الأكبر لقضاء أسبوع معنا. عاد النجل ورب هذه العائلة الصغيرة بعد أن غابت أمه، غيبها القدر. أما شقيقتاه، وهما أيضًا ربتا عائلتين، فقد شاركتا بكل جوارحهما فى الترحيب بشقيقهما واستضافته، أغدقتا فى الحب والاحتفاء وكأنهما استعارتا للأيام السبعة، مدة الزيارة، روح الأم الغائبة.

• • •

دارت الأيام وعادت برواية غير بعيدة فى التفاصيل عن رواية كتبنا أو عشنا «أنا وأم العيال» فصولها الأولى قبل ستين عامًا أو أكثر قليلًا. فور وصولهم طلب الحفيد الأكبر من إحدى عمتيه مساعدته فى تحقيق حلم عزيز وغالٍ. علقت على طلبه قائلا «هذا الحفيد نجل هذا الأب، والأب نجل هذا الجد، إنها حقا لشجرة مورقة وأصيلة!».

أما الطلب فكان «أريد منك يا عمتى ترتيب قارب أو «فلوكة» مع سائقها ليلة الأربعاء، وهى ليلة يكتمل فيها قمر القاهرة. فليعرف المراكبى مسبقًا أن فى نيتى التقدم لصديقتى رفيقة الرحلة النيلية بعرض زواج، وهى بالمناسبة تنتظره ولكن ليس على هذا النحو. وبالمناسبة أيضًا أتمنى أن يكون لدى المراكبى جهاز يبث موسيقى مناسبة للحالة. أريد منك أيضًا اصطحابى قبل الرحلة إلى جواهرجى لشراء خاتم خطوبة يليق بمكانتى المقبلة كمحامٍ ذائع الصيت بالتأكيد ورجل متعدد المواهب الطيبة كما تمنيت أن أكون».

• • •

رأيت فى عيون الأم دموعًا لعلها من دموع الفرحة ولعلها من دموع الفزعة، فزعة ابتعاد ابنها البكرى عنها ليتزوج بعد ابتعاد أول ليدرس ويعمل ثم ابتعاد ثانٍ نحو مقاعد الدراسة ليزداد مقدرة و«سعرًا» حسب منظومة القيم الأمريكية. بحثت عن والده، نجلى العزيز، لأرى فى عينيه ابتسامة أعرفها جيدًا، ابتسامة الفوز والإنجاز.

• • •

سافروا جميعًا إلى وحشة الغربة، وبقيت وحدى فى بيتى أجتر سعادة أيام عشتها من زمن ولى، وأجتر معها سعادة أيام حلوة أعيشها للتو واللحظة، وأحلم بسعادة لا شك تنتظرنى لأعيشها فى قادم أيامى.

arabstoday

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 07:47 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكاية غصن من شجرة حكاية غصن من شجرة



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة
 العرب اليوم - ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 00:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا
 العرب اليوم - أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا

GMT 23:06 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك
 العرب اليوم - راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 03:47 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف تأثير المشي في الوقاية من الزهايمر

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 04:12 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروع أميركي لرفع اسم أحمد الشرع من قائمة عقوبات مجلس الأمن

GMT 05:01 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بأعلى درجات الجاهزية القتالية

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات دبلوماسية أمام مشروع القوة الدولية في غزة

GMT 04:57 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مدفعية الاحتلال تقصف المياه اللبنانية قبالة الناقورة

GMT 04:49 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6.2 يضرب إندونيسيا

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 05:19 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين بضربة أميركية استهدفت قارب مهربين في المحيط الهادئ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab