رؤساء عمل تعلمت منهم

رؤساء عمل تعلمت منهم

رؤساء عمل تعلمت منهم

 العرب اليوم -

رؤساء عمل تعلمت منهم

بقلم : جميل مطر

بحكم تنقلى بين عديد الوظائف والمهام تعدد من ساقنى الحظ للعمل تحت رئاستهم. منهم الصالح ومنهم الطالح ومنهم جميعا استفدت. قليل من خلف جروحا لم تندمل، ولعله من حسن حظى، وحظوظ مرءوسين عملوا معى من بعدهم، أنها لم تندمل. أعترف هنا، وربما للمرة الأولى، أننى بذلت من الجهد والمثابرة ما يكفى لمنعى من أن أقع ذات يوم فى نفس الخطأ أو أرتكب نفس الجرم. أعترف أيضا، وبالتأكيد ليس للمرة الأولى، أننى مدين بكل حسنة التزمتها ونصر حققته لوالد قام بواجبه وأساتذة فى الجامعة اهتموا بإرشادى ورؤساء عمل أخلصوا فى عملهم خلقا وعلما وكفاءة ووطنية فكانوا نعم النموذج والمثال.

كنت فى الثامنة عشرة كثير التردد على مكتبة مركز الاستعلامات الأمريكى فى حى جاردن سيتى. هناك أقمت علاقات طيبة مع العاملين المصريين وكلهم من الخبراء فى علم المكتبات وتعرفت على المدير الأمريكى للمكتبة خلال واحدة من جولاته التفتيشية على أفرعها. تحدث فعلمت أنى أثرت فضوله واستحسانه بما أقرأ وكيف أقرأ وبما أختار من أشرطة الموسيقى وبالعلاقات التى أقمتها مع العاملين بالمكتبة فى مختلف التخصصات ومن مختلف الأعمار. تحدث إلى أن وصل إلى غايته وهى عرض بالعمل بعض الوقت بالمكتبة مسئولا تحت إشرافه المباشر عن قسم الحيازات، وهو القسم المسئول عن اختيار وشراء الكتب والدوريات الجديدة على ضوء الميزانية المتاحة.

• • •

تمنيت، وأنا فى الثامنة عشرة، أن أتعامل مع المرءوسين عندما أتقدم سنا ومرتبة بـنفس أسلوب المستر (ل) فى التعامل معى وزملائى فى العمل. تعلمت كيف وضرورة أن أبتعد بالسياسة الداخلية عن أجواء العمل، رأيته حريصًا على الاهتمام بمشكلاتنا الشخصية إذا نحن سمحنا له بذلك. راقبت سلوكه فى حضرة رئيسه فى العمل، أقصد السفير الأمريكى، أذهلنى أنهما يتنادين بالاسم الأول لكل منهما، وهو ما استبعدت إمكان حدوثه فى ظل ثقافتنا المحافظة. أذهلنى فى الوقت نفسه أن كثيرا ما حلت هذه الصراحة محل الدفء الذى نفتقره فى علاقاتنا بالأجانب. كبيرا أيضا كان اهتمامه بمستقبلى الأكاديمى وحرصه على تنمية آفاق تفكيرى وأحلامى. تعلمت منه أهمية أن ينتقل كرئيس من مكتبه إلى حيث كانت مكاتبنا نحن المرءوسين والاستماع إلى اقتراحاتنا فى شأن تحسين ظروف العمل. لا أتذكره غاضبا ولا كاذبا ولا منافقا. أتذكره دائما صادقا وصديقا. أتذكره مباشرا وواضحا وواثقا. أظن أننى حاولت فى مستقبلى التحلى بصفة أو أخرى من هذه السمات والصفات. أفلحت حينا وأخفقت أحيانا ولكن لم أستسلم لأى إخفاق.

• • •

تغيرت الظروف وتغيرت طبيعة العمل وتغير الرؤساء وتغيرت السمات والصفات. عينت وكلفت لأعمل مع رئيس من بلدى لا يميل بحسه ونشأته وأجواء دراسته وعمله السابق إلى اعتناق سمة أو صفة من هذه السمات والصفات الطيبة. أتوا به إلى هذه الوظيفة وهذا المكان تحت انبهار عابر وّذهبوا بى إليه عساى أتعلم. تعلمت شاكرا ألا أكون يوما فى العمل مثل هذا الرئيس، وألا أكون فى شكله ولا فى طباعه ولا فى أخلاقه. تعلمت الشىء الأهم، تعلمت أن أقول لرئيسى إنه على خطأ، وإننى وأنا أصغر مرءوسيه وأحدثهم فى المكان، لن أسير معه على طريق الخطأ.

الرئيس التالى فى حياتى الدبلوماسية كان مختلفًا عن سابقه فى كل السمات والصفات وأقرب فيها إلى أول رئيس فى حياتى العملية. لم يكن له باع فى الدبلوماسية ولكن علمته تجربته وتربيته الجرأة والقدرة على المواجهة وقول ما اعتقد أنه الحق وإن على خطأ وعدم إدراك كافٍ لطبيعة هذا العمل الذى ارتضاه لنفسه أو فرضته الظروف. كان أمينا فى نقل الرسالة مرفق بها رأيه داعيا رؤساءه فى القاهرة لرفضها أو قبولها والبناء عليها. كانت مصر كلها فى أوج الاستعداد لبناء سد عالى فصرنا ونحن فى آخر العالم خبراء ومهندسين وحمالى أسمنت وعملاء نتقصى تفاصيل الأسطورة الصينية فى بناء السدود بأقل تكلفة لننقلها لمصر.

• • •

عملت مع آخر وفى مهنة أخرى. معه وفيها اقتربت جدا إلى قلب بلدى وقلوب أخرى. تعلمت منه أن «المعلومة» سلاح وثروة وأن التعامل معها فن من أرقى الفنون، وأن تجميع مفرداتها وتحليلها علم واسع، وأن العيش فيها وعليها مهنة هى بين أقدم المهن. تعلمت الكتابة لقارئ غير متخصص، وغير ملم أو مهتم بدقائق السياسة أو الاقتصاد أو القانون. تعلمت أننى لو شئت إقناع متخصص أو متبحر فليكن عبر كتابة مختلفة وهى ليست مسئوليتى المباشرة على كل حال. تعلمت أهمية أن أحاول قبل أن أمسك بالقلم أن "أحيّد" غضبي، وأحاول بعد الكتابة وقبل النشر أن أدفع به إلى زملاء، هم أيضا مرؤوسون، أثق بنضج تفكيرهم وعمق خلفياتهم وتنوع مذاهبهم الفكرية. تعلمت جديدا فى أصول التعامل مع رؤساء الدول. تعلمت أن الرئيس، أى رئيس، لا بد وأنه سوف يحترم الضيف الذى يمتلك أكبر ثروة ممكنة من المعلومات. هو الضيف أو الزائر الذى يستحق تزويده أو تكريمه بالمعلومة النادرة أو الغريبة أو المبهرة.

• • •

لم يذهب سدى ما تعلمت. أشعر بالرضا، ففى ظنى وتقديرى أننى استفدت من تنوع رؤسائى وتجاربى عبر مختلف مسيرات حياتى. قضيتها حياة غير مملة.

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رؤساء عمل تعلمت منهم رؤساء عمل تعلمت منهم



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 17:13 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 08:52 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فايزر تعلن وفاة مريض وُضع تحت اختبار دواءهيمبافزي

GMT 09:40 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

وفاة لاعب كرة قدم وسط مباراة رسمية بسبب تميمة سحرية

GMT 08:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مسيرة إسرائيلية تستهدف وسط بلدة حولا جنوبي لبنان

GMT 19:52 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أحمد عبد الوهاب الابن الأصغر لموسيقار الأجيال

GMT 09:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

شهيدان بغارة إسرائيلية على حافلة في الهرمل شرقي لبنان

GMT 19:39 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قادة الأسد السابقون يحاولون استعادة نفوذهم في الساحل السوري

GMT 13:39 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

خبيرة أممية تحذر من ظروف احتجاز زوجة عمران خان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab