مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ 55

مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ (55)

مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ (55)

 العرب اليوم -

مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ 55

بقلم - تركي الدخيل

فِي هَذِهِ الْحَلْقَةِ وَبِمُنَاسَبَةِ عِيدِ الْأَضْحَى الْمُبَارَكِ، بَارَكَ اللهُ عِيدَكُمْ، وَتَقَبَّلَ مِنَ الْجَمِيعِ، نَعُودُ لِلْأَبْيَاتِ الْكَامِلَةِ، مُخْتَارِينَ مِنْ شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي رَوَائِعَ الْمَعَانِي وَبَدَائِعَ الْمَبَانِي، شَارِحِينَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ بِمَا يَجْعَلُ جَمَالَهَا مُضَاعَفًا. وَقُبَيْلَ يَوْمِ الْعِيدِ، نَسْتَعْرِضُ أَبْيَاتاً تَتَنَاغَمُ مَعَ رُوحِ الْفَرَحِ وَالتَّأَمُّلِ، فِي رَوَائِعِ شَاعِرِ الدُّنْيَا، أُسْتَاذِنَا الْمُتَنَبِّي، أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ سَحَائِبَ الرَّحَمَاتِ.

(149) هَنِيئاً لَكَ الْعِيدُ الذِي أَنْتَ عِيدُهُ * وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى وَضَحَّى وَعَيَّدَا

يُقَدِّمُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي تَهْنِئَةً ضِمْنَ قَصِيْدَتَهُ فِي الْمَدِيْحِ الْمُتَأَلِّقِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، يُزْجِيْهَا لِمَمْدُوْحِهِ بِعِيْدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ. وَفِيْ بَيْتِ الشِّعْرِ يُعَايِدُ الْمُتَنَبِّي مَمْدُوحَهُ بِلَطَافَةٍ وَذَكَاءٍ بَلَاغِيٍّ لَا يُضَاهَى. يَقُولُ: «هَنِيئاً لَكَ الْعِيدُ الذِي أَنْتَ عِيدُهُ»، فَيُهَنِّئُهُ بِالعِيْدِ، لَكِنَّهُ يَرْفَعُ الْمَمْدُوحَ إِلَى مَرْتَبَةٍ تَفُوقُ الْعِيدَ نَفْسَهُ، مُشِيراً إِلَى أَنَّ وُجُودَهُ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ فِي العِيدِ، حَتَّى إِنَّهُ يَصِيرُ عِيداً لِعِيدِ الْأَضْحَى بِجَلَالِهِ. والعِيْدُ: يَوْمُ بَهْجَةٍ وَفَرَحٍ وَسُرُوْرٍ وَبَرَكَةٍ يُحْتَفَلُ بِهِ، وَ سُمِّيَ عِيْداً لِأَنَّهُ يَعُوْدُ كُلَّ عَامٍ. وَيَحْتَفِلُ المُسْلِمُوْنَ كُلَّ عَامٍ بِعِيْدَي الفِطْرَ وَالأَضْحَى، عِيْدُ الفِطْرِ بَعُدَ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ شَوَّال، وَعِيْدُ الأَضْحَى فِي العَاشِرِ مِنْ ذِيْ الحِجَّةِ، وَهُوَ العِيْدُ الكَبِيْرُ. وَسُمِّيَ الأَضْحَى بِسَبَبِ الأُضْحِيَّةُ الَّتِي تُقَدَّمُ فِيْهُ، وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي يُضَحَّى بِهَا، وَ تُذْبَحُ يَوْمَ عِيْدِ الأَضْحَى. ونقل إِمَامُ اللغة الأصمعي أن الأضحية لها أربع تسميات، ويُقال لها: لُغات، وهي:

1-    أُضْحِيَّةٌ. 2-    وَإِضحيَّةٌ، وَجَمعُهُمَا (أي جمع 1 و2): أَضَاحِيّ. 3-    وَضَحِيَّةٌ، وَجَمعُهَا: ضَحَايَا. 4-    وَأَضْحَاةٌ، وَجَمعُهَا: أَضْحَى. قَالَ: وَبِه سُمِّيَ يَومُ الْأَضْحَى.

نَعُوْدُ إِلَى الْمُتَنَبِّي فِي بَيْتِ شِعْرِ العِيْدِ القَائِلِ:

هَنِيئًا لَكَ الْعِيدُ الذِي أَنْتَ عِيدُهُ * وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى وَضَحَّى وَعَيَّدَا

تَبَيَّنَ لَنَا كَيْفَ أَنَّهُ هَنَّأَ مَمْدُوْحَهُ بِالعِيدِ، وَجَعَلَ المَمْدُوْحَ هُوَ عِيدُ العِيدِ، ثُمَّ نَرَاهُ يُتَمِّمُ الشَّطْرَ الثَّانِي، قَائِلاً: «وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى وَضَحَّى وَعَيَّدَا»، فَيَجْعَلُ المَمْدُوْحَ أَيْضًَا عِيْدَ هَؤُلَاءِ. وَ(مَنْ سَمَّى): هُوَ مَنْ ذَكَرَ التَسْمِيَةَ، بِقَوْلِهِ: بِاسْمِ اللهِ. وَ(مَنْ ضَحَّى): هُوَ مَنْ ذَبَحَ الأُضْحِيةَ، فِي يَوْمِ العِيد. وَ(مَنْ عَيَّدَا): هُوَ مَنْ شَهَدَ عِيْدَ الأَضْحَى المُبَارَك وَاحْتَفَلَ بِهِ. والمُسْلِمُونَ هُمْ مَنْ سَمَّى بِاللهِ، وَتَقَرَّبَ لِرَبِّهِ بِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ، وَشَهَدَ العِيْدَ، مَا يَعْنِي أَنَّ الْمُتَنَبِّي جَعَلَ مَمْدُوْحَهُ عِيْداً لِلمُسْلِمِيْنَ. فِي كِتَابِهِ: (شَرْحُ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي)، قَالَ الْوَاحِدِيُّ شَارِحَاً هَذَا الْبَيْت: «قَوْلُهُ: أَنْتَ عِيدُهُ، أَيْ تَحُلُّ فِيهِ مَحَلَّ الْعِيدِ فِي الْقُلُوبِ، إِذْ كَانَ الْعِيدُ مِمَّا يَفْرَحُ لَهُ النَّاسُ، كَذَلِكَ هَذَا الْعِيدُ يَفْرَحُ بِوُصُولِهِ إِلَيْكَ، كَمَا قَالَ:

جَاءَ نَوْرُوزُنَا وَأَنْتَ مُرَادُهْ * وَوَرَتْ بِالَّذِي أَرَادَ زِنَادُهْ

وَعِيدٌ لِمَنْ سَمَّى اللَّهَ وَذَبَحَ أضْحِيَتَهُ، أَيْ أَنْتَ عِيدٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». يُبَيِّنُ الْوَاحِدِيُّ أَنَّ الْمَمْدُوحَ يَحْتَلُّ مَكَانَةَ الْعِيدِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَكَمَا يَفْرَحُونَ بِالْعِيدِ، يَصِيرُ الْعِيدُ نَفْسُهُ فَرِحاً بِوُصُولِهِ إِلَى الْمَمْدُوحِ، مُشِيراً إِلَى عَظَمَتِهِ. وَيُفَسِّرُ «عِيدٌ لِمَنْ سَمَّى» بِأَنَّ الْمَمْدُوحَ يَصِيرُ رَمْزَ فَرَحٍ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يُمَارِسُ شَعِيرَةَ التَّضْحِيَةِ، مُضِيفاً بُعْداً جَمَالِيّاً يُضَاعِفُ رَوْعَةَ الْبَيْتِ. 

(150) فَذَا الْيَوْمُ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُكَ فِي الْوَرَى * كَمَا كُنْتَ فِيْهِمْ أَوْحَداً كَانَ أَوْحَدَا

يُكَمِّلُ أَبُو الطَّيِّبِ مَدِيحَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، رَافِعاً مَمْدُوحَهُ إِلَى مَرْتَبَةِ الْفَرْدِ الْأَوْحَدِ، قَائِلاً: «فَذَا الْيَوْمُ فِي الْأَيَّامِ مِثْلُكَ فِي الْوَرَى»، فَيُشَبِّهُ تَفَرُّدَ يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى بَيْنَ الْأَيَّامِ بِتَفَرُّدِ الْمَمْدُوحِ بَيْنَ الْبَشَرِ، مُبْرِزاً شَجَاعَتَهُ وَكَرَمَهُ وَمَجْدَهُ. فَكَمَا أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ الأَوْحَدِ، فَالعِيْدُ سَيِّدُ الأَيَّامِ وَأَوْحَدِهَا، بِمَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ المَنْزِلَةِ وَالمَكَانَةِ عِنْدَ اللهِ، وَفِي دِيْنِهِ.

(151) عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيْدُ؟ * بِمَا مَضَى أَمْ لِأَمْرٍ فِيْكَ تَجْدِيْدُ؟

وَفِي هَذَا الْبَيْتِ، يَنْقَلِبُ مَزَاجُ أَبِي الطَّيِّبِ مُبْدِيَاً قَلَقَاً وَاضِحَاً فِي تَعَاطِيْهِ مَعَ العِيْدِ، بَدَا ظَاهِراً فِي أَسْئِلَتِهِ التِي وَجَّهَهَا لِلعِيْدِ. قَالَ أَبُو عُثمَانَ ابنُ جِنِّيٍّ فِي (الفَسْر الكَبِير) وَهُوَ شَرْحُهُ دِيْوَانَ الْمُتَنَبِّي، عَنْ بَيْتِ القَصِيْدِ:

«كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا عِيْدٌ، ثُمَّ انْفَتَلَ يُخَاطِبُ العِيْدَ، فَقَالَ: بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا أَيُّهَا العِيدُ؟ أَيْ: هَلْ عُدْتَ بِمَا أَعْهَدُ مِنَ الحَالِ، أَمْ تَجَدَّدَ فِيْكَ أَمْرٌ؟». إِنَّ خِطَابَهُ الْعِيدَ كَانَ بِنَبْرَةِ حَيْرَةٍ وَحُزْنٍ، إِذْ قَالَ: «عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ؟»، كَأَنَّهُ إِذْ بَدَأَ بِالقَوْلِ: «عِيدٌ»، كَانَ يُرِيْدُ التَّشْكِيْكَ بِالعِيْدِ، لَا فِي قُدُومِه، بَلْ فِي قِيْمَتِهِ، لِجِهَةِ غِيَابِ الفَرَحِ وَ البَهْجَةِ عَن الحُضُورِ مَعَهُ، كَمَا يَلِيْقُ بِالأَعْيَادِ!

ثُمَّ وَجهَ سُؤَالَهُ إِلَى العِيدِ: عَمَّا جَاءَ بِهِ هَذِهِ المَرَّةَ، هَلْ عَادَ بِالمَاضِي الحَزِينِ؟ أَمْ حَمَلَ مَعَهُ جَدِيْداً؟ بَدِيعُ الْمَبْنَى يَكْمُنُ فِي مُخَاطَبَةِ الْعِيدِ كَكَيْنُونَةٍ حَيَّةٍ، وَرَوْعَةُ الْمَعْنَى تَتَجَلَّى فِي عُمْقِ التَّفَكُّرِ الْإِنْسَانِيِّ الذِي يُذَكِّرُنَا بِتَقَلُّبِ الْأَيَّامِ.

قالَ الْوَاحِدِيُّ فِي شَرْحِ الْبَيْتِ:

«الْبَاءُ فِي (بِأَيَّةِ)، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْدِيَةِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيَّةَ حَالٍ أَعَدْتَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْمُصَاحَبَةِ، فَتَكُونُ بِمَعْنَى (مَعَ)، وَالْمَعْنَى: مَعَ أَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ. ثُمَّ فَسَّرَ الْحَالَ، فَقَالَ: بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ. يَقُولُ لِلْعِيدِ: هَلْ تُجَدِّدُ لِي حَالَةً سِوَى مَا مَضَتْ، أَمْ عُدْتَ وَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ؟».

قَالَ الْمُتَنَبِّي بَيْتَهُ هَذَا وَهُوَ بِمِصْرَ، قُبَيْلَ هَرَبِهِ بِسَاعَاتٍ، إِذْ فَرَضَ عَلَيْهِ كَافُور إِقَامَةً جَبْرِيَةً آَنَذَاك، وَأَقَامَ أَبُو الطَّيِّبِ بِمِصْرَ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ وَسِتَةَ أَشْهُرٍ، لَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًَا مِنْ أَهْلِهِ وَأَحِبَتِهِ. يَحِقُ لِلْمُتَنَبِّي أَنْ يُبْدِيَ بَعْضَ الضِّيْقِ مَعَ عِيْدٍ لَا أَحِبَّةَ فِيْهِ، وَلَكِنْ مَا عُذْرُ مَنْ يَضِيْقُ بِالأَعْيَادِ، وَهُوَ بَيْنَ أَهْلِهِ، يَرْفُلُ بِنِعَمٍ لَا حَصْرَ لَهَا؟!

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ 55 مِنْ رَوَائِعِ أَبِيْ الْطَّيِّبِ 55



البدلة النسائية أناقة انتقالية بتوقيع النجمات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 18:52 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

دواء جديد يغير حياة النساء بعد انقطاع الطمث
 العرب اليوم - دواء جديد يغير حياة النساء بعد انقطاع الطمث

GMT 11:05 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

شيرين عبد الوهاب أمام القضاء بتهمة السبّ والقذف

GMT 03:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab