القربُ الموَلِّد بُعداً

القربُ الموَلِّد بُعداً!

القربُ الموَلِّد بُعداً!

 العرب اليوم -

القربُ الموَلِّد بُعداً

بقلم:تركي الدخيل

وَكَمْ ذَنْبٍ مُولِّدُهُ دَلَالٌ

وَكَمْ بُعْدٍ مُولِّدُهُ اقتِرَابُ

بيت أبي الطيب هنا، يُظهر في مجمل رؤيتِه جانباً مهماً من معالمِ تفرُّدِ المتنبي، وتميُّزِه على غيره من الشعراء، وهو ما يتمثَّلُ في قدرتِه على التعبيرِ عن المشاعر والأفكارِ التي تتردَّدُ في نفوسِ الناس.

لدى المتنبي قدرةٌ عجيبةٌ على وضعِ أصابعِ الكلماتِ على نبضِ الحياةِ اليومية، والحديثِ بلسانِ مشاعرِ البشر، ممَّا يجعلُ شعرَه قريباً من القلوب.

في بيتِ شعرِه يتناول المتنبي موضوعاً نفسياً وفلسفياً، هو التأثير الخفي في جانبِ من العلاقات الإنسانية. فالأمورُ ليست دائماً كما تبدو عليهِ في ظاهرِها؛ إذِ الدلالُ، في العادة دليلٌ على الحبِّ، النابعِ من عاطفة يحملها المُدَلِّلُ للمُدَلَّل، وهذه الحالةُ يدلُّ ظاهرُها على أنَّ العلاقةَ التي يكتنفُها الحبُّ وتحيطُها العاطفة، ستقودُ لوضعٍ منطقي، سويّ في مظهرِه ومخبرِه، لكنَّ الشَّاعرَ يخبرُنا أنَّ هذا الدَّلالَ الذي يؤدّي بصاحبِه إلى التَّنمُّرِ على الحدود، والسيرِ على الجادَّة، لا يحصلُ من دون احترامِ الحدود، ومن تجاوز الحدَّ وقعَ في مزلقِ الذَّنب، فلا عجبَ أن يُوَلِّد الدلالُ ذنوباً!

هذا عن صدرِ البيتِ، أمَّا عجزُهُ، فيتناول المتنبي فيه، ما يمكنُ أن يفعلَه القربُ بالقريب، من بثِّ الثقةِ المفرطةِ في جوانحِه، بأنَّ منزلةَ القُربِ دائمةٌ، وأنَّ مكانةَ القريبِ له ضامنةٌ، وأمامَ هذا الجزمِ الواهمِ، تأخذُهُ العزَّةُ بالإثم، وهذا نوعُ ذنبٍ آخر، غيرَ ما جاءَ في شطرِ البيت أو بالأحرى صدرِه، فيتجاوز القريبُ الحدَّ أيضاً، جاهلاً أو غافلاً، أنَّ الحدَّ إنَّما سُمِّيَّ حدّاً لحدَّتِه، فهو قاطعٌ بتَّار كما السَّيفِ الصَّارم، ومَن تجاوزَ الحدَّ أمضَى الحدُّ نصلَه فيه، ومنْ صورِ إمضاءِ النَّصْلِ تحويلُ القريبِ بعيداً. ولذلكَ جاءَ عجزُ البيتِ: وَكَمْ بُعْدٍ مُولِّدُهُ اقتِرَابُ.

كَانَ عمرُ بنُ الخطَّابِ، يولِي عبدَ الله بنَ عباس اهتماماً ويُقَرِّبُه لعلمِه، فقَالَ الْعَبَّاسُ لابنِه ناصِحاً: «يَا بُني إِنِّي أرى هَذَا الرجلَ يُدنيك وَإِنِّي مُوصِيكَ بخلالٍ: لَا تفشينَّ لَهُ سرّاً، ولا تخوننَّ لَهُ عهدًا، وَلَا تغتابَنَّ عِنْده أحداً، وَلَا تطوِي عَنهُ نصيحةً».

أهدَى العباسُ ابنَه قواعدَ التَّعاملِ مع القرب، من دون تجاوزِ حدٍّ، يُوَلِّد من القربِ بُعداً.

arabstoday

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

آخر الرحابنة

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حلّ الدولتين... زخمٌ لن يتوقّف

GMT 06:22 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

«أوبك» تستشرف مستقبل النفط حتى عام 2050

GMT 06:20 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

حديث الصيف: أيام العرب في الجاهلية

GMT 06:18 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل والغضب العالمي

GMT 06:16 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

المسكّنات وحدها لا تكفي

GMT 06:13 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

تسليعُ المهاجرين

GMT 06:11 2025 الثلاثاء ,29 تموز / يوليو

إسرائيل وسؤال هُوية اليهود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القربُ الموَلِّد بُعداً القربُ الموَلِّد بُعداً



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:17 2025 الإثنين ,28 تموز / يوليو

روبيو يحدد "الحل البسيط" لإنهاء الحرب في غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab