يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

 العرب اليوم -

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

بقلم : تركي الدخيل

يَقولُ هُدبةُ بنُ خِشرمِ العُذريّ، وهوَ شَاعرٌ إسْلَامِي فَصِيحٌ:

عَسَى الكَربُ الذِي أَمْسَيْتَ فيهِ

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

وَهُدبةُ شَاعِرٌ مفلَّقٌ، وكَانَ كَثيرَ الأمْثَالِ فِي شعرِه، وأكثرُ شِعرِه فِي السّجنِ والمَوتِ، لأنَّه سُجِنَ، وقُتلَ شابّاً سَنةَ 54 هـ.

وهوَ أوّلُ من أُقِيدَ فِي الإسلامِ، فَحُبِسَ في عَهدِ مُعاويةَ خَمسَ سِنينَ، لقتلِه ابنَ عَمِّه زيادةَ بنِ زيدٍ العُذريّ، وَكَانَا مُقَربَيْن لِبَعضِهمَا بَعْضاً، وصَدَفَ أنَّهمَا كَانَا عَائديْنِ مِنَ الشَّامِ معَ قَافلةٍ فِيهَا أُختُ هُدبةَ. وكَانَ أنْ قَالَ هُدبةُ شِعراً شَبَّبَ فيهِ بأختِ زِيادةَ وبَالغَ، فَلَمَّا وَصَلَا المَدِينَةَ جَمَعَ زِيادةُ رفاقَهُ وَضَرَبَا هُدبَةَ ضَرْباً مُبَرّحاً، فَأَصَرَّ علَى الانْتِقَامِ، فَقتَلَ زِيادةَ، وَسُجنَ بِهِ، ثُمَّ لمَّا بَلغَ المِسْوَرُ بنُ زِيادةَ وَكَانَ صغيراً يومَ قَتْلِ أبِيهِ قَتَلَ هُدبَةَ بِأبِيهِ.

وَبَيتُ القَصِيدِ مِنْ أبْيَاتٍ كَانَ هُدبةُ يَقولُهَا فِي حَبسِهِ، يُسلّي بِهَا نفسَه، ويَتصبَّرُ بِهَا علَى حَالِهِ، وَيتَمنَّى... فَليسَ للأمَانِيّ مَا يَمنَعُ إعلانَها، وإنْ تَعسَّرَ تَحَقُّقُهَا.

يَقولُ: لَعلَّ (الكَربَ): أشدُّ منَ الهَمّ وَالغَمّ، وهوَ حزنُ النَّفسِ، الذِي (أمسيتَ): أيْ صَارَ الوقتُ عَليكَ مَسَاءً، وبتَّ فيهِ، يكونُ (وراءَه): أيْ خلفَه وأمامَه، ويعقبُهُ (فَرَجٌ): وهوَ كَشفُ الغمّ، يزيلُه عاجلاً، والشَّاعرُ يخاطبُ في الأبيَاتِ ابنَ عمٍ لهُ، كانَ مسجوناً مَعه.

وَلِهُدبةَ قصةٌ معَ زوجتِهِ وهوَ يُقادُ للقِصَاصِ، إذْ كَانتْ تَتبعُهُ بِلَهفةٍ، فأنشدَهَا:

فلَا تَنكَحِي إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا

أَغَمَّ القَفَا والوَجْهِ لَيْسَ بِأََنْزَعَا

فَنهَاهَا في البَيتِ عنْ أنْ تتزوَّجَ منْ بعدِه من يَتَّصفُ بتلكَ الصّفَاتِ، فأوقفَتْ زوجتُه منْ يَقتادُ هُدبةَ، وعَمدَتْ إلى جَزَّارٍ فاستلَّتْ مِنهُ سِكينًا وَبَترتْ أنفَهَا، ثمَّ أقبلتْ علَى زوجِهَا، وَقالتْ لهُ: أهَذَا وَجهُ مَنْ تَرجُو بعدَكَ الزَّواجَ؟!

فَقالَ: الآنَ طَابَ وُرودُ المَوتِ!

قصيدةُ هدبةَ التِي فيهَا بيتُ القَصيدِ، أوَّلُهَا قولُهُ:

طَرِبْتَ وأنتَ أحيانًا طَروُبٌ وكَيْفَ وَقَدْ تَعلَّاكَ المشِيبُ

يُجِدُّ النأْيُ ذِكْرَكَ في فُؤَادِي إذَا ذَهِلَتْ عَنِ النَّأيِ القُلُوبُ

يُؤرِّقُنِي اكْتِئَابُ أَبِي نُمَيرٍ فَقَلْبِي من كَآبتِه كَئِيبُ

فَقلتُ لَهُ: هَداكَ اللَّهُ مَهْلًا وخيرُ القْولِ ذُو اللُّبِّ المُصِيبُ

فإِنَّا قَدْ حَلَلْنَا دَارَ بَلْوَى فتُخطِئُنَا المنَايَا أو تُصِيبُ

عَسَى الكرْبُ الذي أََمْسَيْتُ فيه يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

و«أمسيتُ» تُروَى حِيناً بِالضَّمِ، أيْ أمسَى المتكلّمُ الشَّاعر، وحينًا بالفَتحِ، أي أمسَى المُخَاطَبُ.

طَربتَ: الطَّربُ: خِفَّةٌ تعتريهِ عندَ شِدَّةِ الفَرحِ، وقيلَ: الطَّرب: الشَّوقُ.

تَعلَّاكَ: عَلَاكَ الشَّيبُ وبدَا ظَاهراً علَى رأسِكَ.

النأي: البُعد. وقوله (عن النأي): عن هنا تعني، من أجل.

فهو عندما هزه الشوق، عاد لنفسه فتذكر ما علا مفرقه من الشيب، فكأنه عاب على نفسه الطرب.

في (الفرج بعد الشدة)، لابن أبي الدنيا، قوله:

حَاصَرَ هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حِصْنًا، فَإِذَا سَهْمٌ قَدْ جَاءَ لَيْسَ لَهُ نَصْلٌ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ:

إِذَا شَابَ الْغُرَابُ أَتَيْتُ أَهْلِي وَصَارَ الْقَارُ كَاللَّبَنِ الْحَلِيبِ

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونُ الرَّشِيدُ: اكْتُبُوا عَلَيْهِ وَرُدُّوهُ:

عَسَى الْكَرْبُ الَّذِي أَمْسَيْتَ فِيهِ يَكُونُ وَرَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ

قَالَ: فَافْتُتِحَ الْحِصْنُ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ صَاحِبُ السَّهْمِ مِمَّنْ تَخَلَّصَ، وَكَانَ مَأْسُوراً مَحْبُوساً فِيهِ سَنَتَيْنِ.

والقصص التي تُروى في الفرج بعدَ الشّدة، ويكونُ بيتُ هدبةَ لُبَّها، كثيرةٌ في كتبِ التراث.

arabstoday

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

ملكة القنوات

GMT 16:36 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان و«ضربة معلم»

GMT 16:35 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

نقش «سلوان» وعِراك التاريخ وشِراكه

GMT 16:33 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

السعودية وباكستان... تحالف جاء في وقته

GMT 16:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

أين تريد أن تكونَ في العام المقبل؟

GMT 16:30 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

افتح يا سمسم

GMT 16:29 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

مأزق الليبرالية البريطانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ



البدلة النسائية أناقة انتقالية بتوقيع النجمات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:05 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

شيرين عبد الوهاب أمام القضاء بتهمة السبّ والقذف

GMT 03:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab