طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ

طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ!

طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ!

 العرب اليوم -

طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ

بقلم:تركي الدخيل

مِنْ أبياتِ الشّعرِ الجَاريةِ على الألسنِ، المنتشِرةِ في وسائلِ الإعلام المتعدّدة، المشتهرةِ بين طبقاتِ النَّاسِ المختلفة، والمحفوظةِ في الصُّدورِ، قول الشَّاعر:

أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ

وهو بيتٌ ذائعُ الصِّيت، من قصيدةٍ طَنَّانَةٍ، تُدعَى: «عُنوانُ الحِكَمِ»، لأبِي الفَتْحِ، عليّ بنِ مُحمدٍ البستي (ت 401 هـ).

ويَحفظُ هذا البيتَ كثيرون، ومِنهم مَن لا يعلمُ مَن هو قائلُه، ولَا أنَّه من أبياتِ القَصيدةِ الحِكميّة، المُدبَّجةِ بِمعانِي الإحسان، في صدورِ أبياتِها وأعجازِها.

والبيتُ المَعني بل أبيات القصيدة كلّها، أنشأها الشَّاعرُ، ليكونَ كلُّ بيتٍ منها وحدةً موضوعيةً مستقلةً، وقائماً في معناه بذاتِه، مِن دون حاجةٍ لربطِه بغيرِه مِن أبياتِ القَصيدة.

وهو ما يُشيرُ إلى حِرصِ الشَّاعرِ على صِنَاعةِ أبياتِه، ليكونَ كلُّ بيتٍ منهَا، مثلاً سائراً بحدّ ذاتِه.

ولأنَّ الشَّاعرَ واعٍ بأنَّ الحكمةَ الواحدةَ متى صِيغتْ في أكثرَ من بيتٍ ضَعُفَت قوَّتُها الدّلاليةُ، وأهملَ الذِهنُ حفظَها، ولأنَّه مُدركٌ أيضاً أنَّ الإحسانَ معانيه فائضةٌ، يصعبُ أن يُحيطَ بها بيتٌ من الشّعر، فقد وقعَ في إشكالٍ تنظيميٍّ، وفوضَى مواضيعيَّةٍ، فتراهُ يَصوغُ معنًى من معاني الإحسانِ في بيتٍ، ثم ينتقلُ لموضوعٍ آخرَ في البيتِ التالي، ليعودَ إلى الإحسانِ في بيتٍ آخر، فتناثرتْ أبياتُ الموضوعِ الواحدِ، في نصّ القَصيدة.

وذُكر الإحسانُ في القَصيدةِ في ثلاثةِ أبياتٍ: بيتِ القصيد، وفي بيتينِ آخرين:

أحْسِنْ إذا كانَ إمْكانٌ ومَقْدِرَةٌ فَلَنْ يدومَ على الإحسانِ إمكانُ

فالرَّوضُ يَزدانُ بالأنوارِ فاغِمَةً والْحُرُّ بالعَدلِ والإحسَانِ يَزدانُ

قالَ شوقي ضيف: «اشتهرت له هذه القصيدة الحِكَمِيَّة في العالم العربي، وأخذت الأجيال العربية تردّدها في كل بلد، حتى لتصبح قصيدة شعبية، ينشدها الناس في كل مكان».

وقولُه (أَحْسِن): فعلُ أَمرٍ، بالإحسَان، موجَّهٌ من الشَّاعر. والمخاطبُ بالأمرِ غيرُ محدَّدٍ، إذْ يُخاطبُ الشَّاعرُ كلَّ مَن يصلُ إليه بيتُ شعرِه، مُعَمِّماً لتأكيدِ أهميةِ المَوضوع. وبيتُه على نَمطِ قوله تعالى: «وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ»، أي: أحسنْ إلى عبادِ اللهِ بالصَّدقَةِ، كمَا أحسنَ اللهُ إليكَ بالمَال. والإِحسانُ: ضدُّ الإِساءة.

يقول سبحانه: «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ»، والمعنى: ليسَ جزاءُ مَنْ أَحْسَن فِي الدُّنيا، إِلا أَن يُحْسِنَ اللهُ إليهِ في الآخرة. وَعَلَّلَ الشَّاعرُ سببَ أمرِه، بأنَّ الإحسانَ إلى النَّاسِ، يَستعبدُ قلوبَهم، وهذا ليسَ أمراً طارئاً، بل متكّررٌ، فدوماً يَستعبدُ الإحسانُ الإنسانَ. والاستعبادُ هنَا، ليس جَبريّاً، بل يختارُه المُحسَنُ إليهِ، إقراراً منه بفضلِ الإحسَان.

شَرحَ عبدُ الله فكري، البيتَ بقوله: «إحسانُك للنَّاسِ يجعلُهم لكَ إخواناً وأنصَاراً، والإنسَانُ عبدُ الإحسَان».

قالَ الشَّيخُ المراغي، في تفسيرِه: «التَّرياقُ النَّافعُ في مخالطةِ النَّاس، هو إحسانُ المرءِ إلى مَن يسيء إليهِ، حتى تعودَ عداوتُه صداقةً، وعنفُه ليناً». يكفِي أنَّ اللهَ يحبُّ المُحسنَ، إذْ يقول تعالَى: «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». وما أجملَ قولَ وهبِ بنِ منبه: «إنَّ أحسنَ الناسِ عيشاً، مَن حُسنَ عيشُ النَّاسِ في عيشِه».

وسأجازفُ بالقول: إنّي لا أستبعدُ أن يكونَ البستيُّ اتَّكأ في صوغِ بيتِه على بيتِ أبي الطيّب البَديع:

وقَيَّدْتُ نَفسِي فِي ذَرَاكَ مَحَبَّةً ومَنْ وجَدَ الإحسَانَ قَيداً تَقَيَّدَا

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ طَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:38 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة

GMT 01:53 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
 العرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 09:06 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يوقف حفله في دبي بسبب نيللي كريم وأحمد السقا

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 20:43 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في أميركا

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab