الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي

الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي

الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي

 العرب اليوم -

الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي

بقلم:حمد الماجد

تزامن تتويج الملك تشارلز الثالث مع «تتويج» عدد من رموز اليمين المتشدد في أوروبا زعماء لدولهم، وآخرهم اليمينية الشابة المفوهة جورجيا ميلوني، المرشحة لرئاسة الحكومة في إيطاليا، وزعامات يمينية أخرى في الدول الغربية وصلت للولاية الكبرى، أو تنفذت في البرلمانات والمناصب المفصلية، ورقعة اليمين المتشدد «باقية وتتمدد». في ظل هذه الأجواء اليمينية المحمومة توّجت المملكة المتحدة مليكها المعتدل المتسامح مع الأجناس البشرية المتنوعة، والأديان المختلفة، والآيديولوجيات المتعددة.

نعم، تصنيف الملك «الدستوري» تشارلز الثالث مع زعامات غربية «تنفيذية» هو قياس مع الفارق، لكن للملك البريطاني الجديد آراؤه وطروحاته التي تجلب الأضواء والاهتمام الجماهيري، لكن بطبيعة الحال والمنصب الجديد، فإن هذه الآراء والطروحات ستتقلص كماً وكيفاً كما لمّح بذلك في عدد من تصريحاته، وهذا أمر منطقي ومفهوم، فللملكية البريطانية «العريقة» بروتوكولاتها وحدودها الصارمة.
في عام 2019 زار ولي العهد (آنذاك) الأمير تشارلز مركزَ التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر الذي أَشرُف برئاسة مجلس أمنائه، وقد تَعَمَّد الأمير الحصيف المثقف أن يغير النمط التقليدي لزياراته للمؤسسات المماثلة ذات النفع المجتمعي، وبدلاً من أن يكون الأمير هو المتحدث الرئيسي على المنصة، ثم يتلقَّى الملاحظات والتعليقات والأسئلة، كما تقتضي بروتوكولات اللقاءات التقليدية؛ مرَّ على جميع المدعوين فرداً فرداً من الرموز السياسية ووجهاء مانشستر إلى «سكيورتي» المركز، وتحدث مع كل واحد منهم بلا تمييز، وكان عددهم يصل لحدود المائة شخص يمثلون وجهاء المجتمع، من رجال دين وسياسيين ورجال أعمال وأكاديميين وأطباء، بالإضافة إلى أعضاء مجلس أمناء المركز وجميع موظفيه.
فقد يكون ولي العهد البريطاني بحصافته وخبرته، أراد أن يوظف زيارته لمركز التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر لتوجيه رسالة مزدوجة غير مباشرة؛ أولاً لتطمين كل الأقلية المسلمة البريطانية، وثانياً، وهذا بيت القصيد، ضد العنصريين ورموز اليمين المتطرف، مهما علا صوتهم وزاد ضجيجهم. اللافت في هذه الزيارة هو ما يتحلى به هذا الملكي «المثقف»، من اللياقة البدنية واللباقة الاجتماعية؛ اللياقة البدنية التي مكّنته من الوقوف مدة لا تقل عن ساعة ونصف الساعة من دون أن تبدو عليه علامات الإجهاد أو مؤشرات الملل، ومن دون أن يجلس على كرسي قط، واللباقة الاجتماعية التي منحته قدرة مذهلة في الحديث مع كل فرد من الحضور المائة بلا استثناء، كل واحد سمع منه وأسمعه ولاطفه، وظفر منه بتعليق طريف وخفة دم تبعث على الابتسامة حيناً والقهقهة حيناً آخر.
في أواخر التسعينات الميلادية، حين كنتُ مسؤولاً في المركر الثقافي الإسلامي في منطقة ريجينت في قلب العاصمة البريطانية لندن، لاحظتُ في السجل التاريخي للزيارات، أنه قد خلا من أي زيارة للعائلة المالكة البريطانية، الملكة أو أحد أبنائها، هذا على الرغم من أهمية المركز الأم في المملكة المتحدة وأكثرها عراقة، فكتبتُ حينها للأمير تشارلز أدعوه لزيارة المركز، وإلقاء محاضرة يوجّه فيها الأمير الرسائل المناسبة لتلك الحقبة، فأرسل لي اثنين من مساعديه للتباحث حول فكرة الزيارة، إلا أن الزمن مضى به وبنا من دون أن تتحقق هذه الزيارة، ليتحقق اللقاء معه بعد 20 عاماً في مؤسسة مختلفة ومدينة أخرى.
القيادة وتصدّر الناس والجاذبية الجماهيرية، ليست فرماناً يصدر لأحد، ولا ثياباً تؤخذ من أرفف المحال فتُلبس في الحال، ولا سمات ينفع فيها الدرهم والدينار أو «كان أبي»، بل تحتاج إلى تأهيل وتدريب ومصابرة ومثابرة ولياقة ولباقة وطول تجربة، «ولولا المشقة ساد الناسُ كُلُّهُم».
وأما الصداع الذي أصاب الأقليات المسلمة في الغرب من تنمّر اليمين المتشدد ونفوذه، فليس له من «مسكنات» إلا بروز زعامات وشخصيات وسطية معتدلة متسامحة، مثل الملك تشارلز الثالث.

arabstoday

GMT 04:53 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

فى المشمش!

GMT 04:50 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الأصدقاء وذكريات لا تعنيهم

GMT 04:48 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

كهفُ الفيلسوف.. وحبلُ الفيل

GMT 04:44 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

حق مستهلك الأوبر

GMT 04:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

قمة البحرين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي الملك تشارلز في زمن اليمين الغربي



GMT 10:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
 العرب اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 10:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
 العرب اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 19:22 2024 الأحد ,19 أيار / مايو

القمة العربية.. لغة الشارع ولغة الحكومات

GMT 10:52 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مصفاة نفط روسية ضخمة تتوقف عن العمل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab