أوطان تذوب ودول تُمحى

أوطان تذوب ودول تُمحى

أوطان تذوب ودول تُمحى

 العرب اليوم -

أوطان تذوب ودول تُمحى

بقلم:سمير عطا الله

يلتقي الأطفال في عالمهم ما داموا يصدقون الخرافات ويطربون للأساطير. يتمتعون بما تروي لهم الجدّات والأمهات، ويذهبون إلى النوم سعداء. عندما يكبرون قليلاً ويبدأون في التشكيك وطرح الأسئلة، ويدخلون المدرسة، لا يعودون يأخذون الحكايات السعيدة على ما هي. وتزرع فيهم دروس التاريخ الخوف والقلق. ويتعلمون من رفاقهم أن آباءهم كانوا خصوماً ذات يوم، وأن الخصومة سوف تعود. ومن هزم عليه أن ينتصر من جديد.

الفارق بين الخرافة والحقيقة أن الأولى جميلةٌ وهانئةٌ. الحلم للصغار والكوابيس للكبار. والأسطورة واحدة في كل الثقافات واللغات. النمر يحكي في قصص البلدان الحارة، والدّب هو الناطق في ثلوج القطب.

هناك ملوك وملكات كثيرون في الحكايات لأنهم كانوا رمز السعادة والعدل. وكذلك فرسان ذوو شهامة يتدخلون في اللحظة الحرجة لإنقاذ ضعيف أو مُهان.

لعل «ألف ليلة وليلة» أهم كتاب في هذا الباب. لقد وضعه... من وضعه للكبار لا للصغار في الهند وبلاد الرشيد. وكان مسلياً ومثيراً. لكن بعد أن عرف الإنسان عصر الكتابة، صار عليه أن يدقق أكثر في ما يروي. ولم يعد طائر الرّخ ممكناً، ولا بساط الريح، لأن الإنسان صار يدور «حول العالم في ثمانين يوماً» كما عمل أبطال المتخيل الفرنسي الشهير جول فرن.

تجاوزت رسوم والت ديزني الحكايات والمخيلات. وحيل جميل الحيوانيات تنطق أو ترقص أو تقلد البشر ساخرة منهم. وأعاد الأطفال إلى طفولتهم. وأضاف إلى متعة الخيال بدلاً من تجريدهم منها.

وتختلف حيوانات ديزني وتتصارع وتتبارز لكن بروح رياضية خالية من الأحقاد. كل خلاف بين «توم» و«جيري» ينتهي ضاحكاً. يجب ألا يذهب الأطفال إلى النوم وهم متوترون.

كان محمد عبد الوهاب يخاف الطيران، ويبدي حرصاً مرضياً على أمور الصحة والعافية. ويحاول أن يعيش يومه دون كدر. ولذا لا يقرأ صحيفته متأخراً في النهار. أما أهم شيء عنده فكان أن يطرد قبل الذهاب إلى النوم كل ما مرّ به من كدر. يقرأ آخر النكات، ويستمع إلى شيء من الموسيقى الكلاسيكية، ويطرد الشيطان، ثم يغفو مثل طفل.

لا أعرف ماذا كان يفعل عندما تكون مصر في حالة حرب مثل 56 و67. هل كان يمكن أن يطلب الراحة في نكتة أو قطعة من بيتهوفن؟ أنا من فئة النوامين في البشر. وكتبت مرة أنه قدم إليّ صديق من صيدا على أنه من عائلة «النوام». رحبت به بحرارة قائلاً: «أهلاً ابن العم».

يصعب علينا النوم هذه الأيام المضنية. الوسيلة الوحيدة التي لجأت إليها حتى الآن، هي العيش من دون تلفزيون. لا أخبار، لا أفلام، لا عيون جريئة. ومع ذلك لا نوم أيضاً. دنيا تدور حول الوسادة، وعقل مهني لم يعد طفلاً، دائماً تعلم مرغماً الشك في عدالة البشر ونزاهة الإنسان. كل هذا ليس رسوماً متحركة، ولا حكايات شهرزاد. أوطان تذوب ودول تُمحى.

 

arabstoday

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 02:59 2024 السبت ,18 أيار / مايو

هل كان المتنبي فظاً؟!

GMT 02:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوطان تذوب ودول تُمحى أوطان تذوب ودول تُمحى



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت

GMT 16:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

اعتراض صاروخ أطلق من غزة باتجاه سديروت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab