الضيف الملوّن

الضيف الملوّن

الضيف الملوّن

 العرب اليوم -

الضيف الملوّن

بقلم - سمير عطا الله

بَحَثَ ساحر الأدب الأميركي «الزنوجي» جيمس بالدوين عن مكان منعزل ينصرفُ فيه إلى إعداد كتابه الجديد، فنصحَهُ بعض الأصدقاء بقرية سويسرية نائيةٍ. استعد للسفر إلى القرية بشراء الحاجات التي أدرك سلفاً أنها لن تكون موجودة هناك. في اليوم التالي لوصوله تفقد أحوال القرية الصغيرة، فوجد أن ليس فيها مصرف، أو مكتبة، أو مسرح. فقط سيارة «جيب» واحدة ونحو 600 من السكان. وأما الآلة الطابعة الوحيدة فكانت تلك التي حملها معه. علاوة على ذلك كان هناك خدّاج وبقّال ومخزن للخضرة.

لا يهم، فالرجل ليس بحاجةٍ إلى أكثر من ذلك في أي حال. ولغتهُ الفرنسيّة شبه معدومة، وبالتالي لن يستطيع التحدث إلى أهل القرية إلا بالإيحاءات. وأما القرويون فلم يصل إليهم شيء من اللغة الإنجليزية بعد. إذاً، حسب بالدوين كل الحسابات المعقولة (خمسينات القرن الماضي)، وقرأ قليلاً عن حياة القرى والقرويين في جبال الألب حتى اطمأن إلى أنه لم يعد ينقصه شيء لتمضية سنة هانئة، وربما أكثر إذا احتاج الأمر.

وفي اليوم الثالث تأخر في الخروج من منزله وبدأ العمل على الكتاب. وعند الرابعة بعد الظهر خرج من المنزل لشراء بعض حاجياته من البقَالة. صدف في هذا الوقت بالذات خروج تلامذة المدرسة من صفوفهم. هنا أدرك بالدوين أنه لم ينتبه إلى أهم ما يجب الانتباه إليه: أطفالُ القرية لم يروا رجلاً أسود من قبل، فوقفوا عند ناحية الشارع يهتفون: زنجي! زنجي! لم يعطِ الأمر أي أهمية، فما هم إلا مجموعةُ أطفال، لكنه كشف مع الأيام، أن القرويين الكبار لم يشاهدوا زنجياً من قبل، وكانوا يتباحثون في ما بينهم عما إذا كان يضع على رأسه شعراً أو نوعاً من التربة. ثمّ اكتشف أن في القريةِ صندوقاً خاصاً تُجمع فيه التبرعات من أجل شراء 6 زنوج كل عام من أفريقيا، وتحريرهم وإلحاقهم بالبيوت والعائلات السويسريّة. وعندما حان موعد المهرجان السنوي، ضحك طويلاً وهو يرى الأطفال يدهنون وجوههم باللون الأسود كنوعٍ من السخرية. لم يغضبه أي شيء من هذا، وقد كان يعرف أن النوايا حسنة، وأن القرية لا تستطيع تمالك دهشتها أمام هذا الضيف «الملوّن».

ما كان يخشاه، وظلّ يخشاه حتى وفاته، هو نظرة الأميركي الأبيض إلى الأميركي الأسود. هذه كانت مملوءة بالعنصريّة والكره والعنف اللفظي والاجتماعي، وفي أي حال كانت قصة «غريبٌ في القرية» من أجمل ما كتب بالدوين وما كُتبَ في الأدب «الزنوجي».

arabstoday

GMT 18:13 2024 السبت ,18 أيار / مايو

صالحوا أولادنا على اللغة العربية؟

GMT 18:05 2024 السبت ,18 أيار / مايو

«لا إكراه في الدين»

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضيف الملوّن الضيف الملوّن



اختيارات النجمات العرب لأجمل التصاميم من نيكولا جبران

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت

GMT 16:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

اعتراض صاروخ أطلق من غزة باتجاه سديروت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab