القش والنسيان

القش والنسيان

القش والنسيان

 العرب اليوم -

القش والنسيان

بقلم - سمير عطا الله

هناك كتب أشتريها في كل مكان أذهب إليه. مرة أو عشراً أو أكثر. لكنني كلما دخلت مكتبة بحثاً عن كتب جديدة، أشتري أولاً هذا القديم المنعش، الفاتن، والجديد كلما قرأته. اللائحة ليست طويلة. لكنها أيضاً ليست قليلة. كل مرة أعيد شراء واحد من هذه الكتب، أقول هذه المرة سوف أشعر حتماً بالسأم. أو بالاكتفاء. لم يحدث لا هذا ولا ذاك.
من هؤلاء السادة، الفرنسي جول رينار. لا أستطيع أن أحدد سره. أو بالأحرى سحره. وهذا أهم ما فيه. هو هنا، لكي تقرأه. نغم لكي تسمعه. لوحة لكي تعود إليها. لوناً لوناً. سيد الاقتضاب، المسيو رينار، لوحة من سطر أو سطرين. أيُ زيادة تشويهٌ. له عجب في تحويل الأحرف إلى كلمات. والكلمات إلى كلمة. حكاية من سطر ونصف. قصيدة من ثلاثة أسطر إلا اثنين. لوحة بلا لون، تجعلك تتساءل كيف يسخّر هذا الرجل العبقرية وأنت تعتقد أنه يتنقل من دعابة إلى أخرى. لا تتخذ الدعاية لنفسها هذه المرتبة في سلم العبقرية، كما تفعل بريشة حبره القديم. حبر أوائل القرن الماضي.
صنع عباقرة فرنسا أعمالهم الكبرى من حياة باريس وتواريخها وثوراتها وآلامها وجمالها: فيكتور هيغو، وغوستاف فلوبير، وأونوريه بلزاك، وشارل بودلير. وصنع هذا الرجل عبقرية موازية من الريف. من القرى. من حيث لا أحداث ولا كلمات ولا حوار. من الصمت والخرفان والمدرسة الصغيرة وساعي البريد، صنع ملحمة القرى وروعة الطبيعة.
سوف أحاول أن أنقل هنا هذه الفقرة الصغيرة. وإذا ما فقدت وقع الدهشة، فهي مسؤوليتي.
«البقرة.
«أبعد عنها مولودها هذا المساء، وأعطي إلى ريمون الذي سيقوم على تربيته. ماذا ستفعل الآن؟ هذه الأم الطيبة التي لم تتعب لحظة من لعق جلد وليدها اللزج، من أجل طعمه وليس بدافع شعور الأمومة.
«عندما تعود إلى الحظيرة، أتوقع أن يكون المشهد على الأرجح هكذا: تتشمم القش الذي استلقى العجل عليه، وتنحني قليلاً بحنان، ثم تأكل القليل من القش الذي يحمل رائحة المولود.
«باب مخزن الشعير يفتح. ومع أنها قادمة للتو من المروج، فإنها تأكل بنهم الشعير الذي حمله إليها فيليب: وتظل تبحث عن وليدها وتناديه. كما تترك للعاملة راغوت أن تستدر حليبها.
«بعد يومين لن تعود تتذكر شيئاً. مشاعرها الأمومية التي بدت على ذلك العمق، تكون قد اختفت».لقد قسى رينار على البقرة والأمومة. وأحياناً تلحق القسوة بشقيقة أو صديق له. لكن شيئاً لن ينهيه عن مهمته: مدون الحياة في القرى، والمدون مهمته الحقيقة.

arabstoday

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

GMT 03:27 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

مشروع إنقاذ «بايدن»!

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

ما تحمله الجائزة

GMT 03:20 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

من هو (موسيقار الأجيال الحقيقي)؟!

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

هل من نجاة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القش والنسيان القش والنسيان



الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ العرب اليوم

GMT 18:08 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

حزب الله يدخل أسلحة جديدة في معركته ضد إسرائيل

GMT 23:54 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة

GMT 02:34 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

انتهاء ظاهرة النينيو المناخية بشكل رسمي

GMT 02:59 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

استهداف 3 منازل في غزة وسقوط شهداء بينهم أطفال

GMT 11:16 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

وفاة السيناريست السوري فؤاد حميرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab