لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة

لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة

لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة

 العرب اليوم -

لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة

بقلم : سليمان جودة

أفضل طريقة يُمكن للعالم أن يتعامل بها مع إسرائيل هي الطريقة التي أشار بها عبد الرحمن بدوي ذات يوم للتعامل مع العقاد. هناك فارق طبعاً بين العقاد كشخص في زمانه، وإسرائيل ككيان يشن حرباً لا تعرف الهوادة على المدنيين في غزة هذه الأيام، ولكن خيطاً رفيعاً يظل يصل بين الحالتين، ويظل يُنجز عملياً من دون سواه.

كان بدوي، أستاذ الفلسفة الشهير، حادّاً في حياته، وفيما يكتبه، وعندما أصدر سيرته الذاتية كان ذلك واضحاً في كل سطر فيها.

المذكرات صدرت في جزأين عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت عام 2000، وفيها روى الكثير الذي يمكن أن يسعفنا في مواقف كثيرة، ولم يترك بدوي أحداً ممن عرفهم في الحياة إلا أعطاه نصيبه من الحدة التي عاش بها جزءاً من طبيعته، ويجوز أن نأخذ رأيه الذي أشار به تجاه العقاد، على أنه ميل إلى ما هو عملي أكثر مما هو أي شيء آخر.

كان الرجل قد انتمى في شبابه إلى حزب «مصر الفتاة» في مرحلة ما قبل ثورة 1952، وقد جاء يوم هاجم فيه العقاد الحزب هجوماً لم يعرف قادته كيف يردون عليه، وعقدوا اجتماعاً للنظر في الطريقة الأفضل للرد على العقاد، وكان بدوي من بين الذين حضروا، ومن بين الذين كان عليهم أن يشيروا بالرأي في الموضوع. كان رأي بدوي أن الحزب إذا ردّ على العقاد بالكلام، فسوف يرد بما هو أقوى وأشد، وأنهم لن يستطيعوا مجاراته في الأخذ والرد، لأن هذه هي شغلته، ولأنه بارع فيها، ولأن قلمه أقوى من أن يتمكن القائمون على «مصر الفتاة» من الوقوف في طريقه!

فما العمل؟ قال أستاذ الفلسفة، وكان لا يزال يدرسها في ذلك الوقت، إن الحل هو أن يتربص عدد من أقوياء الحزب بالعقاد وهو عائد إلى بيته ليلاً، وأن يتعاملوا معه بأيديهم، وأن يُفهموه أنه إذا عاد للهجوم على الحزب فسوف يعودون هُم إليه من جديد!

يقول بدوي في سيرته إن هذا قد حدث بالفعل، وإن العقاد لم يعد إلى الهجوم على «مصر الفتاة» مرةً ثانية بعدها، وإن هذا كان هو الحل العملي، لا النظري، الذي لا يملك إلا الكلام، والذي لا يُجدي في الكثير من الحالات مهما كانت قوته، ومهما كان بأسه. هذه واقعة لم يذكرها أحد عن العقاد في أي كتاب، ولكن الذي أشار إليها يذكرها في سيرته ويوثقها باليوم والتاريخ والشهود، ولا يمنع هذا من أن يستغرب المرء جداً أن يشير بدوي إلى هذا أو حتى يُقر به، ولكنه يروي القصة بتفاصيلها في سيرته ذات الجزأين!

وبالقياس، فإن ما يهمنا في الموضوع أن الطريقة العملية هي الطريقة التي تفهمها حكومة التطرف في تل أبيب، وهي تشن حربها المتواصلة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة كلها، لا في قطاع غزة وحده، وإذا لم تمنعها هذه الطريقة من عدوانها، فلا أقل من أن تجعلها تفكر قبل أن تشن عدواناً جديداً، أو تجعلها تخفف من حدة القتل اليومي الذي تمارسه في حق المدنيين هناك.

وحتى لا يكون الكلام نظريّاً، فإن أمامنا أمثلة ثلاثة جرت خلال أيام قليلة ماضية، وكلها كانت تحمل مواقف عملية في التعامل مع حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، وكانت تأمل في أن يكون ذلك كافياً لأن يردعها عن العدوان، وأن يقنعها بأن الحرب ليست هي الحل، ولن تكون.

أمامنا مثال الحكومة الإسبانية التي قررت إلغاء صفقة من الذخيرة، كانت وزارة الداخلية في مدريد قد تعاقدت على استيرادها من شركة إسرائيلية تنتجها، ورغم أن مواقف الحكومة في إسبانيا ضد الحرب على غزة مواقف قوية بما يكفي، فإن إلغاء توريد صفقة الذخيرة من إسرائيل كان إجراءً مختلفاً، وكان وجه اختلافه أنه موقف عملي لا يتكلم، ولكنه يفعل.

وأمامنا مثال آخر قامت به تركيا عندما منعت طائرة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ من المرور في مجالها الجوي، وصولاً إلى أذربيجان، وكانت النتيجة أن رحلة هرتسوغ أُلغيت، ولم يذهب إلى مؤتمر المناخ في العاصمة الأذرية باكو، الذي كان يخطط لأن يحضره.

والمثال الثالث في تركيا أيضاً، لأنها عادت ومنعت طائرة نتنياهو من المرور للذهاب إلى أذربيجان نفسها، وقد جرى إلغاء رحلته أو تأجيلها، بعد أن كان من المقرر لها أن تتم نهاية هذا الأسبوع. صحيح أنهم في الدولة العبرية قالوا إن الإلغاء أو التأجيل في الرحلتين كان لأسباب أمنية، ولكن الصحيح أيضاً أن منع المرور في المجال الجوي التركي كان واحداً من الأسباب.

إنها أمثلة ثلاثة قريبة منا زمنياً، وهي تختلف عن كل كلام قيل أو سوف يقال في مقام رفض الحرب أو المطالبة بوقفها، وهذا بالتأكيد لا يقلل من شأن المواقف السياسية المعلنة من جانب دول المنطقة ضد الحرب، ولكن حكومة مثل حكومة نتنياهو لا يُجدي معها كلام الدنيا كلها، ولو كان بأقوى لغة أو بأشد لهجة، وإنما يجدي معها أن يتم إلغاء صفقة لشركة إسرائيلية، أو أن يشعر رئيسها ورئيس حكومتها بأنهما ممنوعان من المرور في سماء المنطقة.

هذه حكومة لا تفهم غير لغة البأس، والبأس ليس من الضروري أن يكون حرباً معلنة، ولكنه يمكن أن يكون من نوع الأمثلة الثلاثة

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة لغة القوة لا تعني حرباً بالضرورة



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab