بقلم: سليمان جودة
الصورة التى جمعت الرئيس ترامب مع زهران ممدانى، عمدة نيويورك الفائز، أهم من خبر اللقاء نفسه، والذين تابعوا اللقاء لا بد أنهم لاحظوا ذلك، وإذا لم يكونوا قد لاحظوا فأنا أدعوهم إلى أن يعودوا للتدقيق فى الصورة. طبعًا، اللقاء مهم فى حد ذاته، لأن الطرفين كانا حديث العالم عند نجاح زهران فى الانتخابات أول الشهر.
فالرئيس ترامب كان قد استبق يوم الانتخاب، فوصف المرشح ممدانى بأنه شيوعى، وكان قد وصف أى يهودى فى المدينة يعطيه صوته بأنه غبى، وكان قد شن حملة على مجرد وجود مرشح بهذا الاسم فى السباق على منصب العُمدية فى مدينة المال والأعمال، فلما نجح الرجل أُسقط فى يد ترامب، ولكن نبرته فى الكلام بدأت بعدها تتغير، وكان من علامات ذلك أنه دعا العمدة الفائز إلى التعاون مع واشنطن إذا رغب فى النجاح!.
وما كادت أيام تمر حتى كان قد راح يدعوه إلى لقاء فى البيت الأبيض، ولم يرفض العمدة الجديد دعوة سيد البيت الأبيض، وإنما ذهب يُلبيها فالتقيا بالفعل، وكان أطرف ما قيل من جانب العمدة إنه جاهز لكل الاحتمالات.
وكان وهو يقول ذلك يشير من طرف خفى إلى الأسلوب المستفز الذى دأب ترامب على التعامل به مع الكثيرين من ضيوفه، وكان من الواضح أن ممدانى يحذر الرئيس الأمريكى من التعامل معه بالاستخفاف الذى اتبعه من قبل مع رؤساء دول، فى المقدمة منهم الرئيس الأوكرانى!.. وقد فهم ترامب «الرسالة» التى بعث بها العمدة وهو يقول إنه جاهز، وجرى اللقاء على صورة خلت من المفاجآت الترامبية المعتادة، بل إن الرئيس الأمريكى وصف اللقاء بأنه كان رائعًا!.
فى الصورة، بدا ترامب جالسًا وهو يصافح الضيف الواقف إلى جواره!!.. وهذه مسألة لا تعرف كيف ابتلعها العمدة الفائز، ولكن اللافت أن وجه ترامب خلا من أى ابتسامة من المفترض أن يستقبل بها ضيوفه، وبدا وجهه جليديًا جامدًا لا يحمل أى مشاعر، بينما كانت الابتسامة تملأ وجه الضيف، الذى بدا فى المقابل وكأنه يقول للرئيس: أرأيت؟.. لقد نجحت رغم تحريضك للناخبين ضدى، وصرتُ عمدة على المدينة التى هى مسقط رأسك، ولم يعد أمامك اختيار فى التعامل معى.. ثم بدا أيضًا وكأنه يضيف: لقد راهنت على خسارتى لمجرد أنى ديمقراطى من حزب بايدن وأوباما، ولكن رهانك كان فى غير محله، وها أنت تستقبلنى كما لم يحدث من قبل بين رئيس فى واشنطن وبين عمدة فى نيويورك!.
الصورة بينهما تظل تقول كل الكلام، واللقاء الذى جمعهما يقول إن أمريكا المليئة بالمساوئ والعيوب لها وجه آخر يتجسد فى هذه الصورة.. ففيها قد يبدو ترامب وكأنه ينحنى ليستوعب فوز العمدة المنتمى إلى الحزب المنافس، ولكن الحقيقة أنه ينحنى للديمقراطية التى جاءت بممدانى.