بقلم : سليمان جودة
الإخوة الذين يتباكون على عدم مجىء ترامب إلى مصر يجب أن يتوقفوا عن البكاء، لأنه لو جاء ما كان سيزيد القاهرة شيئًا، كما أن عدم مجيئه لا أظن أنه قد نال من قدر قاهرة المُعز فى شىء.
حالة التباكى على عدم مجيئه زائدة على الحد، ومستفزة، ولا مبرر لها، والدول الخليجية الثلاث التى لم يزرها لم يحدث أن تباكى أحد فيها على عدم زيارته.. فهو قد زار السعودية، وقطر، والإمارات، ولم يذهب إلى الكويت، ولا إلى البحرين، ولا إلى عُمان، ولم أسمع أن كويتيًا ضايقه ذلك، ولا سمعت أن بحرينيًا أحزنه ألا يزورهم الرجل، ولا قرأت أن عُمانيًا مات كمدًا لأن سيد البيت الأبيض لم تحط طائرته فى العاصمة مسقط.. لم يحدث!
وقد تابعت الزيارة عن قرب فى الرياض، فلم أتابع سعوديًا يقول إن زيارة كهذه سوف تزيد من شأن بلاده عما هى عليه، وإنما جرى وضعها فى إطارها الطبيعى على المستوى الرسمى والشعبى السعودى، وبغير مبالغة من الأشقاء هناك فى شىء.. أما الإطار فهو أن الولايات المتحدة الأمريكية قوة اقتصادية أولى فى العالم، والسعودية إحدى دول مجموعة العشرين التى تضم الاقتصادات العشرين الأكبر فى العالم.. والزيارة هى لقاء بين الاقتصادين على هذا الأساس وفقط.
وعندما تولى ترامب الحكم للمرة الأولى فى ٢٠١٦، كانت الرياض وجهته الخارجية الأولى، تمامًا كما حدث فى فترته الرئاسية الثانية الحالية، ولم يحدث أيام زيارته الأولى فى ٢٠١٧، أن قامت الدنيا متسائلة عن الأسباب التى دعته لزيارة المملكة ومنعته عن زيارة المحروسة!
المصريون الغاضبون لأن ترامب لم يجعل القاهرة وجهة مُضافة فى زيارته الخليجية لابد أن يهدأوا قليلاً، ولابد أن يكونوا على ثقة فى قدر بلادهم أكثر من هذا، ولابد أن يكونوا على يقين فى القدرات المصرية الحقيقية، وألا تُزعزع الزيارة من هذا اليقين، أو تنال منه جولة يقوم بها الرئيس الأمريكى فى المنطقة.
زيارات رؤساء الدول لا تمنح صكًا للاعتراف بدولة فى العالم، حتى ولو كانت الزيارة لرئيس أقوى دولة.. صحيح أن الصخب المصاحب للزيارة فى حالة مثل حالة زيارة ترامب أدى إلى انشغال الإعلام كله بالموضوع، ولكن الحقائق تبقى على الأرض بعد انتهاء الزيارة كما كانت قائمة قبلها.. أقصد أن قوة الدولة تظل بقدراتها الذاتية الباقية، وتظل بإيمانها بنفسها وإيمان أبنائها بها، لا بزيارة تتم ثم ينشغل الناس بسواها فى اليوم التالى.
أقدار الدول لا تحددها زيارة، ولا تنال منها جولة رئاسية من نوع جولة الرجل، والمتباكون على عدم مجيئه لا يعرفون قدر البلد بما يكفى.