ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

 العرب اليوم -

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة

بقلم - سليمان جودة

في مسرحية «ليلى والمجنون» لأمير الشعراء أحمد شوقي، كان والد ليلى العامرية يسأل قيس ويقول: جئت تطلب ناراً أم جئت تشعل البيت ناراً؟

ولا شيء يمكن أن يستدعي إلى الأذهان هذا السؤال الذي ألقاه والد ليلى على قيس، إلا حكاية المبعوث الأممي التي كلما اختفت من بلد في منطقتنا ظهرت من جديد في بلد آخر، مع أن طريقة الإخراج في كل مرة واحدة، ومع أن الحصيلة واحدة أيضاً.

فالمفترض في كل مرة أن المبعوث يأتي لا ليطلب ناراً على طريقة قيس مع ليلى، وإنما ليقدم ناراً تضيء ولا تحرق. هذا ما يقوله المبعوث عند مجيئه، وهذا ما تقوله منظمة الأمم المتحدة عندما ترسله، ولكن ما يقال منه ومن المنظمة شيء، وما نتابعه بعدها على الأرض في كل بلد يزوره المبعوث شيء آخر تماماً.

وليس هذا بالطبع كلاماً مرسلاً، ولكنه كلام تؤيده التجربة ليس مع مبعوث واحد، ولا مع اثنين، ولكن مع ثلاثة معاً، وفي فترة زمنية لا تتجاوز الشهور المعدودة على أصابع اليدين.

فلا حديث في العراق هذه الأيام ينافس الحديث عن البعثة الأممية «يونامي» ورئيستها الهولندية جينين هنسين بلاسخارت، ولا شيء يقال عنها إلا الرغبة العراقية المتنامية في رحيلها عن بلاد الرافدين في أقرب وقت ممكن، ولا يكاد يمر يوم إلا ويعود فيه العراقيون إلى القول إن مغادرة البعثة ورئيستها إذا لم تكن اليوم، فلا أقل من أن تكون في الغد، أو في بعد الغد على أقصى تقدير.

ورغم أن هذه البعثة جرى إرسالها قبل 21 سنة، فإن الرغبة في مغادرتها قد اشتدت هذه الأيام واحتدَّت، أما السبب الذي يقال فهو أنها «تجاوزت صلاحياتها»، وهذه عبارة مطاطة، كما ترى، ولا تدل على شيء محدد، ولا بد أن وراءها تفاصيل غير معلنة، ولكن هذه التفاصيل سوف تبقى في الخفاء في الغالب، ولن يعلن العراقيون منها شيئاً، وسوف تغادر البعثة حين تغادر ومعها تفاصيلها غير المعلنة.

وقبل أسابيع كانت الأطراف السياسية الليبية قد طلبت مغادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وكانت قد تمسكت بطلبها، وكانت قد اتهمته علانية ببث الفُرقة في الحياه السياسية، ولم يملك باتيلي سوى الرحيل في النهاية. صحيح أنه اتهم الساسة الليبيين بأنهم «أنانيون» وصحيح أن معنى هذه التهمة أنهم يقدمون مصالحهم على الصالح الليبي العام، ولكن الأصح أنه ليس المبعوث الأممي الأول الذي يأتي ثم يغادر طوعاً أو بطلب من الليبيين، فلقد جاء ورحل قبله كثيرون، وجميعهم كانوا يغادرون بينما حال البلد ينتقل من سيئ إلى أسوأ.

وفي مايو (أيار) من السنة الماضية كانت الحكومة السودانية قد طلبت رحيل المبعوث الأممي الألماني فولكر هيرتس، وكانت الخرطوم قد صممت على مطلبها، ولم يكن أمام هيرتس إلا أن يغادر رغم أنه تباطأ في البداية، ورغم أن الأمم المتحدة التي أرسلته رفضت رحيله لفترة.

وفي تفسير طلب المغادرة قالت الحكومة في السودان كلاماً عاماً من نوع ما قالته الحكومة العراقية وهي تطلب مغادرة بلاسخارت وبعثتها، وكان مما قاله السودانيون أن تحركات هيرتس في البلاد لا تبعث على الرضا ولا على الارتياح.

فإذا انتبهنا إلى أن طلب مغادرة المبعوث الألماني تزامن مع اشتعال الحرب في السودان بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، استنتجنا بالبديهة أن طلب مغادرته لا بد أن يكون له علاقة بهذه الحرب وبموقفه منها وبحركته خلالها.

ومن بلاسخارت في بغداد، إلى باتيلي في طرابلس الغرب، إلى هيرتس في الخرطوم، نستطيع أن نلمح خيطاً يمتد بين البعثات الثلاث، ونستطيع أن نتبيّنه رغم أنه غير مرئي، فهو قائم هناك في الأفق البعيد، وهو يقول للعواصم الثلاث، ولسواها من عواصم المنطقة، إن المبعوث الأممي حين يأتي لا يأتي ليمارس عملاً خيرياً.

هو يأتي في كل الحالات مبعوثاً من المنظمة الدولية الأم في العالم، وهذه المنظمة تهيمن عليها دول بعينها في عالمنا، ولا تكتفي هذه الدول بالهيمنة عليها، وإنما توجهها إلى حيث مصالح محددة قد لا تلتقي مع مصالح الدول التي يزورها المبعوث.

يأتي المبعوث من هؤلاء ليطلب ناراً على طريقة قيس، أو يأتي في يده نار، ولكن النار يمكن أن تنير طريقاً في أي بلد ويمكن أن تحرق، وليس من الواضح أن نار المبعوثين الثلاثة المشار إليهم قد أضاءت طريقاً أو أنارت سبيلاً، فالطرق والسُّبل يضيئها وينيرها أبناء البلد أنفسهم، لا المبعوثون الأمميون مهما كان عددهم ومهما كانت النيات المعلنة.

arabstoday

GMT 20:38 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

هل سينتهي السرطان؟

GMT 20:35 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

المذبح والمجمع والعيد

GMT 20:32 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

فوق جبل عرفات

GMT 20:29 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

درجات ألمانيا.. وهيبتها!

GMT 01:18 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

«ضيف على الحياة».. سيرة كاتب فلسطيني ورحلاته

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة ليس مبعوثاً واحداً وإنما ثلاثة



الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ العرب اليوم

GMT 23:54 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة
 العرب اليوم - آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة

GMT 18:08 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

حزب الله يدخل أسلحة جديدة في معركته ضد إسرائيل

GMT 23:54 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

آسر ياسين يكشف تفاصيل أعماله الجديدة

GMT 02:34 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

انتهاء ظاهرة النينيو المناخية بشكل رسمي

GMT 02:59 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

استهداف 3 منازل في غزة وسقوط شهداء بينهم أطفال

GMT 11:16 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

وفاة السيناريست السوري فؤاد حميرة

GMT 10:23 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

كريستال بالاس يضم المغربي شادي رياض لمدة 5 سنوات

GMT 22:02 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الإعلامية هالة سرحان تعلق على واقعة عمرو دياب

GMT 12:11 2024 السبت ,15 حزيران / يونيو

3 قتلى من جنود الاحتلال عقب تفجير ناقلة في غزة

GMT 23:12 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

سنوات يوسف العجاف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab