من أين نبدأ

من أين نبدأ؟

من أين نبدأ؟

 العرب اليوم -

من أين نبدأ

بقلم - عبد المنعم سعيد

عنوان المقال ليس له علاقة باستعادة كتاب «من هنا نبدأ» لكاتبه خالد محمد خالد الذى صدر فى الأول من يناير ١٩٥٠ الذى حاول فيه أن يبدد غيوما تراكمت منذ استقلال مصر لعله يكون بعدها اختراق إلى آفاق جديدة لم يدركها أحد من قبل. العنوان يكون صالحا فى جميع المناسبات التى تتعقد فيها الأمور وتسود فيها روح متشائمة تغفل النظر عن رؤية الضوء. وقد كان مارتن لوثر كينج هو الذى قال إن الظلمات لا يمكنها أن تزيل الظلمات؛ الضوء وحده يفعل ذلك.

مصر تحتاج إلى الكثير من الضياء حتى تزيل عن نفسها ما تعيشه من ظلمة نجمت عن قرون من التراجع، وإخفاق مستمر فى أن تجعل من نفسها بلدا حديثا وديمقراطيا ومتقدما. هناك أمران لا بد منهما حتى يحدث ذلك: أولهما ألا نستدرج إلى قرارات تحيدنا أو تأخذ جزءا من طاقتنا إزاء تحقيق هذا الهدف. ببساطة فإننا نحتاج إلى درجة عالية من التركيز، كما هو الحال مع لاعبى كرة القدم، حتى يمكن إحراز أو تحقيق الأهداف التنموية التى نريدها. كانت أكبر درجات تركيزنا موجودة فى أمور مقاومة الإرهاب، الدعوة للثورة الدينية، افتتاح قناة السويس الجديدة كمقدمة لمشروع محور القناة، وهكذا أمور توالت عندما بدأت أكبر عملية للبناء والتنمية عرفتها مصر فى تاريخها المعاصر.

ومن خلال هذا التركيز الشديد فى إقامة الأصول القومية كان ممكنا مواجهة الضغوط الشديدة التى أعقبت التعويم الأول للجنيه المصرى فى ٣ نوفمبر ٢٠١٦، والضغوط التى أشد منها والتى جاءت مع جائحة الكورونا الرهيبة. وثانيهما ألا نبقى أمورا معلقة خاصة تلك التى تتعلق بعملية الإصلاح الجارية منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لأن تعليق الأمور يفضى إلى كثير من البلبلة والانتظار. لقد كانت الدعوة إلى الحوار الوطنى مخلصة فى بث حالة من التشاور الوطني، وتخليق حالة من المشاركة السياسية من قبل الأحزاب والجمعيات الأهلية والشخصيات العامة النشيطة.

ولكن المعضلة فى عصرنا هذا، ووقتنا ذلك، تجعل هناك سباقا كبيرا تتغير فيه الأحوال بسرعة مخيفة، ويصير الأمر أشبه بالأعمى الذى يريد قياس مكعب الثلج بينما يذوب بين أصابعه. وعندما يكون الأمر مرتبطا بأزمة عالمية كبرى وحربا جارية فإن الحرارة تزيد عما هو مقدر بحيث تذوب الأرقام والحقائق ويكاد يضيع منها ما يمكن للحوار أن يقوم عليه. إعطاء فرصة للحوار الوطنى بسد الفجوة الزمنية من خلال الحوار الاقتصادى أعاد التأكيد على ما كنا نعرفه منذ وقت طويل، وجرى عليه الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو ما يحتاج قرارات يمكن إنجازها خلال زمن قصير، ومن خلال تكلفة يمكن تحملها. وعلى أى الأحوال كان إجراء الحوار مفيدا وسريعا فى مراجعة أحوال الاقتصاد المصري، والآن آن الأوان ونشمر الساعد من أجل دعوة القطاع الخاص إلى العمل والاستثمار، سواء كان محليا أو أجنبيا. ولعل زيارة الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط لدول الخليج تتوازى مع إعلانات داخلية مشابهة تعلن فيها الشركات التى فى سبيلها إلى الخصخصة؛ وهى زيارة نتمنى لها النجاح، الخلاصة أن القيام بهذه الإجراءات يمثل نقطة بداية لا بأس بها، خاصة لو أضيف لها الإعلان عن تنفيذ مشروع إصلاح النظام الإدارى للدولة.

الحوار الوطنى يمكنه أن يكون مفتوحا إعلاميا، والحقيقة أنه لا يوجد أمام حزب مسئول عوائق فى الإعلان عن تصوراته للتعامل مع الأزمة الراهنة أو طرح المشروع الوطنى الخاص به على الرأى العام.

لقد كتبت كثيرا عن مصر منذ مولد دولتها الحديثة مع محمد على الكبير فى عام ١٨٠٥ وهى تناضل وتثور وتحاول الخروج من التخلف؛ ولكن بعد قرنين وعقدين تقريبا من هذا التاريخ ونحن لا نتقدم كثيرا مقارنة بآخرين، وما جرى أن كثيرين سبقونا فى الغنى والمكانة. وفى ٧ يوليو ٢٠١٣ نشرت فى «المصرى اليوم» مقالا بعنوان «حتى لا يكون إخفاق آخر!»، وكان جوهره أنه بعد الثورة الثانية فى ٣٠ يونيو فإن بداية جديدة كتبت لنا لكى نخترق الحواجز ونقفز على أسوار طالما كبلت قدراتنا وإمكانياتنا الهائلة. كانت هناك جرعة هائلة من التفاؤل، كما كان هناك إيمان بأن واقعنا يمكن أن يتغير، ليس فقط بتحسين ما تم إنجازه، وإنما بتجاوزه، وتجاوز تقاليده، وطرقه وأساليبه. باختصار كان القصد أن يكون ما جرى على جلاله بداية جديدة، فى طرق التفكير؛ وفى السرعات التى نتقدم بها بأكثر من المراوحة فى المكان، والاندماج فى العالم وليس الابتعاد عنه. وكان ذلك ما جرى خلال السنوات العشر الأخيرة، حددنا خلالها عام ٢٠٢٠ لكى تجرى فيه افتتاحات لمشروعات قومية فى مقدمتها المتحف الكبير والعاصمة الإدارية، وبينما استمر المشروعان فى النضج إلا أن الافتتاح جرى تأجيله ربما انتظارا لاستكمال ما لم يكتمل. ولكن الحقيقة هى أنه فى مثل هذه المشروعات لا يوجد فيها اكتمال، لأنها ممتدة بالعمق والاتساع والتطوير إلى مراحل مختلفة. الخلاصة باختصار هى أنه ربما آن الأوان لكى نفتتح المشروعات الكبرى ليس فقط لخلق حالة ضرورية من التفاؤل، أو لتسويق مصر، والتأكيد أنها تعيش حالة جادة من تاريخها، إنما لأن هذه المشروعات سوف تكون مصدرا للتشغيل والإنتاج والتصدير. تحقيق الاحتفالات الكبرى سوف يأتى ساعة الخروج من الأزمة وهو قادم بإذن الله.

arabstoday

GMT 18:04 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل والمسرحية.. والمتفرجون

GMT 05:17 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 05:14 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 05:10 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

بورصة أسماء الوزراء

GMT 05:07 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

الرد على الرد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أين نبدأ من أين نبدأ



GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب
 العرب اليوم - ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

أيهما أخطر؟

GMT 18:13 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

العرب واليونسكو

GMT 20:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مصر تنفي أي نقاش مع إسرائيل بشأن خطط اجتياح رفح
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab