بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تختلف الاجتهادات بشأن العلاقة بين أحداث تاريخية توجد روابط بينها. هناك من يرون أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه فى أشكال مختلفة، ومن يعتقدون أن وجود أوجه شبه بين أحداث تاريخية ليس إلا المصادفة. ويوجد أيضًا من قالوا إن التاريخ لا يعيد إنتاج نفسه إلا فى صورة مأساة أو ملهاة. وهذا اختلاف طبيعى على قضية يتعذر الوصول إلى حكم قاطع فيها. وقد يكون منطقيًا قول من يقولون إن التاريخ قد يعيد إنتاج نفسه إذا لم يُدرس وتستوعب دروسه، خاصةً فى الحالات التى تزداد فيها أهمية هذه الدروس. وتبدو أوروبا مختبرًا مناسبًا لهذا الافتراض نظرًا لوجود حالات يبدو فيها أثر عدم استيعاب دروس التاريخ واضحًا. ومنها على سبيل المثال عدم استيعاب الإمبراطور لويس بونابرت (نابليون الثالث) دروس هزيمة عمه نابليون بونابرت (نابليون الأول) فى نهاية ما أُطلق عليها الحروب النابليونية. فقد هُزم نابليون الأول هزيمة ساحقة عام 1815 فى معركة واترلو التى دخلها دون درس أو تخطيط بعد أن أغرته انتصاراته السابقة بالمزيد. وكرر ابن أخيه نابليون الثالث هذا الخطأ عام 1870 عندما خاض حربًا ضد بروسيا والولايات الألمانية الشمالية بقيادة بسمارك دون أن يعرف إلى أين يتجه. فقد أغفل ميزان القوى على الأرض، ولم يدرك أن قوات بروسيا والتحالف الألمانى الذى كانت تقوده أقدر على التحرك السريع والمنظم. ولذا لم تصمد القوات الفرنسية أمام قوات بسمارك الذى وجد فى الانتصار على نابليون الثالث فرصة مناسبة لتحقيق انتصار يعزز قدرته على توحيد ألمانيا كلها. وهكذا تبدو العلاقة بين هزيمتى 1815 و1870-1871 بمثابة إعادة إنتاج تاريخ لم تُستوعب دروسه. وقل مثل ذلك عن العلاقة بين تلك الحرب والحربين التاليتين. كان إصرار ألمانيا على إهانة فرنسا فى نهاية حرب 1871 والاستيلاء على معظم إقليمى الألزاس واللورين أحد أسباب الحرب العالمية الأولى. وكان إصرار فرنسا مع حلفائها على إهانة ألمانيا فى نهاية الحرب الأولى أهم أسباب نشوب الحرب الثانية. ليست قليلة إذن أحداث التاريخ التى يخيب من يتعالى على دروسها، فيبدو الأمر كأنها تعيد إنتاج نفسها.