بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تستحق الكتب المنشورة حديثًا الكتابة عنها، إما لأنها تضيف جديدًا إلى المعرفة، أو لأنها تراجع معارف معينة وتقدم أخرى جديدة قد تتجاوزها أو تدفع إلى إعادة التفكير فيها. وتتوافر هذه المقومات فى كتاب الصديق المجتهد وائل لطفى «دعاة عصر مبارك.. سيرة سنوات التسعينيات» الصادر حديثًا عن دار الحكمة للاستثمارات الثقافية. أختلفُ مع المؤلف فى الخط الأساسى للكتاب، ولكن أجد فيه مناقشة جادة لقضية مهمة بأسلوبٍ جيد يجمع بين الكتابة الصحفية والبحثية. وتزداد أهمية الكتاب لأن المؤلف يواصل فيه ما بدأه قبل أكثر من عقدين، الأمر الذى أتاح له تحقيق تراكم معرفى عبر كتبه التى توالت منذ مطلع الألفية بدءًا بكتاب «ظاهرة الدعاة الجدد»، ثم كتاب «دعاة السوبر ماركت – الجذور الأمريكية للدعاة الجدد»، وبعدها كتاب «دعاة عصر السادات – كيف نمت صناعة التشدد». والاتفاق مع مؤلف كتاب أو آخر ليس ضروريًا للكتابة عنه، والاختلاف معه ليس مدعاة للانصراف عنه.
والحال أننى مختلف مع لطفى فى الخط العام للكتاب، وتحديدًا فى طريقة تناوله لمن اعتبرهم دعاة عصر الرئيس الراحل حسنى مبارك، وفى وضعهم كلهم فى سلة واحدة، وفى أحكام قطعية أصدرها بحق بعضهم. ولا يمنع هذا الاختلاف اتفاقًا مع طروحات قدمها، ولعل أهمها تكييفه للأجواء العامة فى الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات. قد لا أتفق معه فى استخدام تعبير الركود، وأفضل القول إنهاء حالة تبريد كانت ضرورية جدًا بعد السخونة الشديدة التى سادت عقد التسعينيات، خاصة نصفه الثانى. ولذلك أُتفق مع وصفه الدقيق لتلك الحالة بأن البلد أُدخِل فى ثلاجة كبيرة بعد عقد السبعينيات المُلتهب.
ولكن الاختلاف مع المؤلف أو الاتفاق معه لا يقلل أهمية الكتاب الذى يعيد مناقشة قضية مهمة كان لها آثارها الثقافية والاجتماعية، والسياسية أيضًا. ولكن اجتهاده فيها كان ممكنًا أن يفيد أكثر لو أنه نحى جانبًا انحيازه المُسبق الذى غلبه فى بعض المواضع. ومع ذلك مازال فى إمكانه أن يجعل من المعارف التى راكمها مشروعًا فكريًا مهمًا إذا تمكن من ضبط هذا الانحياز عند مستوى لا يؤثر فى تناوله لها.