بقلم : د.أسامة الغزالي حرب
لرياح الخماسين التى تنشط فى مصر هذه الأيام ذكريات وانطباعات خاصة عندى! فأنا من مواليد شهر أبريل..، وقالت لى أمى رحمها الله إننى ولدت يوم شم النسيم..، أى فى الربيع! غير أننى أحب شم النسيم لأنه - قبل أى شىء - عيد مصرى أصيل جدا، وقديم جدا، ومميز جدا.. وجذوره وتقاليده الفرعونية لاشك فيها. غير أن الربيع تعيبه رياح الخماسين التى تنال من بهجته وجماله..، مثلما يعيب الصيف حره القائظ الذى يهرب الناس منه لمياه البحر، ومثلما يعيب الشتاء برده القارس الذى يغرى بالتدفئة الحميمة، ومثلما تعيب الخريف غيومه التى لا تعوق العمل والعودة للمدارس! وهكذا.. يحمل كل فصل نقيضه... ما يحببنا فيه،.. وما ينفرنا منه! وهكذا حياتنا كلها...، وذلك أيضا ما يجعلنا نشعر بطعمها، فلا طعم لأيام الحياة السعيدة، إلا مقارنة بأيامها الحزينة..! صحيح أننا اعتدنا أحيانا - عندما نهنئ بعضنا بعضا - أن نقول: «جعل الله أيامكم كلها أعيادا»! ولكن هذا حديث مجاملات لا أكثر ولا أقل! أو هو كما يقول التعبير العامى القاسى «طق حنك»! وفى هذا السياق أتذكر دعاء جميلا، كان أبى يردده كثيرا.. «اللهم لا أسألك رد القضاء.. ولكننى أسالك اللطف فيه»! وتأسيا بهذا المعنى..، نتمنى ألا تكون رياح الخماسين التى تنغص الربيع، قاسية فى «غلاستها» التى تغمر كل البلاد العربية تقريبا، وتتخذ فى كل بلد اسما خاصا، فتسمى فى السودان وليبيا «رياح القبلى» وتسمى فى فلسطين «رياح الشلوق»، وتسمى فى تونس والجزائر رياح الشهيلى، وتسمى فى المغرب «رياح الشرقى»، غير أننى حضرتها شخصيا فى إحدى السنوات فى الكويت، وعرفت أنهم يعطونها ـ كما هو فى باقى بلدان الخليج العربى والعراق ـ اسما له جرس أكثر ملاءمة لها، وهو «رياح الطوز»! بما تحمله فى هباتها الساخنة من ذرات تراب دقيق، يغطى ويغمر بقسوة ساخنة كل الأبنية بلا استثناء، مهما كانت حداثتها وفخامتها.