القادم من خارج المنظومة السائدة

القادم من خارج المنظومة السائدة

القادم من خارج المنظومة السائدة

 العرب اليوم -

القادم من خارج المنظومة السائدة

بقلم : عمرو الشوبكي

يعد نجاح زهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك نقطة تحول هامة في التاريخ السياسي الأميركي، ليس بالضرورة لأنه سينجح في إحداث تغيير جذري في السياسة الأميركية، فهو في النهاية عمدة مدينة مهما كان حجمها وتأثيرها لن تغير السياسة الأميركية، إنما في الدلالة الرمزية والثقافية والسياسية لهذا النجاح الذي لو تكرر في ولايات أخرى وبنفس مضمون الخطاب «الممداني» فإنه سيعني تحولاً كبيراً في النظام الأميركي.

والحقيقة أن نجاح ممداني أعاد فتح تساؤلات عديدة تتعلق بالأشخاص والأفكار والتيارات السياسية القادمة من خارج المنظومة السائدة في الدول الديمقراطية أو التي تحكمها دولة قانون، فأفكار ممداني ملهمة لقطاعات واسعة من الناس، وبخاصة الشباب وخطابه الاشتراكي أو التقدمي لم يركز على أفكار يسارية قديمة تتحدث عن اشتراكية بيروقراطية تحول الأفراد إلى مجرد «ترس» في ماكينة النظام القائم إنما هي اشتراكية معاشه أو اشتراكية المواطنين، التي أسهب فيها بالحديث عن مظاهر الثراء في المجتمع الأميركي وبخاصة «النيويوركي» من دون أن يعتبر قضيته إفقارهم أو التضييق عليهم إنما دعم الفئات الأكثر احتياجاً.

إن جوهر برنامجه الواعد (والذي اعتبره البعض حالماً) ركز على بدائل يقدمها لغالبية سكان نيويورك، فقال إنه ينوي تسيير حافلات مجانية وتقديم رعاية مجانية للأطفال، وقال إنه سيقيم محلات بقالة مملوكة للمدينة تبيع بضائعها بسعر مناسب، وأخيراً وعد أنه سيفرض ضريبة ثابتة بنسبة 2 في المائة على أغنى 1 في المائة من سكان نيويورك، أي من يتجاوز دخلهم مليون دولار سنوياً، مع ملاحظة أن ضرائب المدينة تساوي تقريباً بين من دخله 50 ألف دولار أو 50 مليون دولار، وأخيراً أشار إلى أنه سيجمد إيجارات المدينة، وهو قرار ليس سهل التنفيذ.

وقد نجح ممداني في جذب الجانب الأكبر من الطبقات الشعبية للتصويت له لأنه قدم برنامجاً بديلاً لما هو سائد وحلولاً لجانب من مشكلات المدينة، وهو ما جعله يبدو أنه نصير الفقراء والملونين والمهمشين أكثر منه عدو البيض والأغنياء.

والحقيقة هذا ما فعله مع القضية الفلسطينية، فلم يكن عدواً لليهود إنما نصيراً للضعفاء أي الطرف الفلسطيني، ورافضاً الإبادة الجماعية، وحين قال بجرأة إنه ينوي إلقاء القبض على بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، ليس لأنه إسرائيلي إنما احتراماً للقانون الدولي ولقرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه، ولذا لم يكن غريباً أن يكون نحو 30 في المائة من سكان نيويورك اليهود صوتوا له.

ورغم أن برنامج ممداني ليس خارج القانون ولا الدستور وفيه جوانب عملية كثيرة وربما أقل بيروقراطية وجموداً من كثير من الأفكار الاشتراكية التي رفعها اليسار في القرن الماضي، ومع ذلك شكل تحدياً حقيقياً للمنظومة القائمة، وربما أكثر من التحديات التي أثارها دمج اليسار الثوري في المنظومة السياسية والقانونية الأوروبية، التي انفتحت لقبول الجديد، وفي الوقت نفسه نجحت في تحويل هذا اليسار من الأفكار الحالمة والثورية إلى يسار إصلاحي واجتماعي ديمقراطي. أفكار ممداني تواجهه منظومة حكم في أقصى اليمين، وليس فقط اليمين التقليدي، وأيضاً في ظل تصاعد الخطاب المعادي للهجرة والمهاجرين، والمشكك في ولاء الأميركيين من أصول مهاجرة وينظر إليهم باعتبارهم «أقل أميركية» من الأميركيين البيض.

إن التحدي الذي يمثله العمدة الشاب لا يتركز فقط أو أساساً في أفكاره ولا في جرأه برنامجه إنما في كون هذه الأفكار التي يقول جانباً كبيراً منها الزعيم الديمقراطي بيرني ساندر، وتُقلِقُ المنظومة الرأسمالية ويكرهها ترمب، مثَّلت قلقاً مضاعفاً مع ممداني لأنها جاءت على يد مهاجر، وأميركي منذ 8 سنوات فقط ونجح نجاحاً لافتاً.

الانقسام الذي تشهده أميركا ومعظم المجتمعات الغربية لم يعد فقط بين الأفكار الليبرالية والمحافظة (رغم أنه موجود وسيبقى) إنما أيضاً يتعلق بالموقف من الهجرة والمهاجرين ومدى قبول التنوع الثقافي والحضاري والموقف من الأميركيين من أصول مكسيكية، أو عربية، أو مسلمة، أو أفريقية، لأن موقف اليمين الشعبوي المتطرف ليس فقط موقفاً من الهجرة والمهاجرين، إنما موقف من الأميركيين من أصول «غير بيضاء»، أي إنه يتعلق بدولة القانون والمساواة والعدالة، وهي قضايا تمثل صلب نجاح النموذج الأميركي.

نجاح ممداني لن يتوقف على أصوله العرقية والدينية إنما في قدرته على تنفيذ برنامجه ونجاحه في الواقع لأن النموذج الأميركي نجح في اختبار ممداني وقبل «أهل نيويورك» الرجل بصرف النظر عن أصوله الدينية والعرقية، وسجلوا نقطة مهمة في مواجهة اليمين المتطرف، وبهذا قدموا رسالة ملهمة لكثير من المجتمعات بأنه يجب ألّا تعطل المواقف المتعصبة والأحكام المسبقة فرص نجاح «أي ممداني»، لأنه لو نجح في منصبه الجديد فسيتكرر في أماكن كثيرة.

arabstoday

GMT 15:43 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

كازاخستان وإسرائيل.. ما الجديد؟

GMT 15:38 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلى يتكلم بالألقاب

GMT 15:11 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب الحذاء الأحمر و..«البيلاتس»

GMT 15:09 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

إهدار وقلة قيمة

GMT 15:07 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

لم أكن غنيًا.. كنت ساذجًا!

GMT 14:59 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

معنى وسام يسرا

GMT 14:07 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعد 21 عامًا على الرحيل.. ماذا بقى من أبو عمار؟

GMT 13:57 2025 الجمعة ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الفرق بين التاريخ والفتاوى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القادم من خارج المنظومة السائدة القادم من خارج المنظومة السائدة



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 18:03 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

شركات أميركية تربح بمليارات الدولارات من حرب غزة
 العرب اليوم - شركات أميركية تربح بمليارات الدولارات من حرب غزة

GMT 07:49 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تصدم الجمهور بخبر عن عادل إمام
 العرب اليوم - إسعاد يونس تصدم الجمهور بخبر عن عادل إمام

GMT 11:13 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يدور على ذاته… وسوريا في البيت الأبيض!

GMT 05:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعتزم مقاضاة "بي بي سي" بتهمة تشويه تصريحاته

GMT 09:28 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

«بي بي سي»... من كان منكم بلا خطيئة؟!

GMT 09:30 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تحذّر أميركا من «التحرش» بفنزويلا!

GMT 09:32 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

لمّا قام قائمها

GMT 14:07 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ساركوزي يصر على إثبات براءته ويصف التجربة بأنها درس حياتي

GMT 11:16 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المصدر الأول للأخبار وكالة “بقولو”

GMT 07:49 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تصدم الجمهور بخبر عن عادل إمام

GMT 14:40 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك تشارلز يحافظ على وزنه ويعتمد على نشاط بدني منتظم

GMT 07:03 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريهام عبد الغفور تثير الجدل بنشرها نعي محمد صبحي وتعتذر

GMT 08:14 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قذائف إسرائيلية تستهدف بلدتين بحوض اليرموك بريف درعا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab