رائحة رمضان

رائحة رمضان

رائحة رمضان

 العرب اليوم -

رائحة رمضان

بقلم: مصطفي الفقي

كلما أقبل شهر رمضان جاءت معه رائحة مميزة لا تقف عند حاسة الشم أو التذوق أو السمع أو البصر، لكنها مزيج من كل ذلك، فالمشهد يضم المساجد العامرة والمآذن المضيئة وموائد الرحمن وتدفق أنهار البر والإحسان، فضلًا عن حركة الأسواق فى نهار الشهر والجلسات الممتدة فى مسائه، حتى دقات طبول السحور فى حضور مئات الألوف يلتهمون أطباق الكنافة والقطايف.

وغيرها من الحلويات التى آلت إلينا ميراثًا مستمرًا منذ العصر الفاطمى، وعندما كنت صغيرًا كنت أخشى السير فى الظلام وحدى نتيجة التهيؤات الخاطئة التى زرعتها التربية التقليدية فى أعماقنا حينذاك، لكنى عندما علمت أن فى شهر رمضان يسلسل الله الشياطين ولا خطر ولا خوف من شىء فى الظلام، حينئذ فقط كنت أشعر بالطمأنينة ولا أخشى السير فى الظلمات حتى استقرت لدى عقيدة مؤداها أن شهر رمضان يحمل فى كل جوانبه بشائر الخير ودعوات الإصلاح.

كما تأتى فى طياته عوامل الانفتاح وأسباب التواصل حتى تصبح الرمضانيات زادًا نعيش عليه طوال العام، وأتذكر من سنوات الطفولة فرحتى أنا وأقرانى بهذا الشهر الفضيل، وكيف كنا نعتبره مناسبة للهو واللعب فى ضوء القمر وحده أحيانًا وتحت مصابيح الكهرباء أحيانًا أخرى، وقد تصادف أن بداية الوعى لدى بشهر رمضان عندما كنت طفلًا ارتبطت بفاكهة البطيخ.

فقد بدأت الصوم ورمضان يأتى صيفًا قبل أن يأخذ دورته كل عدة سنوات، واندهشت جدًا بعد ذلك بسنوات أن البطيخ قد اختفى من موائدنا على غير موعد وقيل لى يومها إن الشتاء قد زحف على رمضان ولم يعد هناك مبرر لتلك الفاكهة الصيفية التى ترطب الحرارة وترفع من المعنويات، وهكذا أدت طفولتنا إلى تشكيل رؤيتنا لذلك الشهر الكريم.

بل إننى أزعم أن أشقاءنا فى الوطن من غير المسلمين يحتفلون أيضًا بهذا الشهر باعتباره طقسًا اجتماعيًا استقر فى وجدان الأجيال مثلما يحتفل المسلمون أيضًا بالأعياد المسيحية، خصوصًا عيد الميلاد المجيد الذى تتزين فيه المدن وتتلألأ الأضواء، ويقترن هذا الشهر العظيم أيضًا بنصر أكتوبر المجيد عندما عبر الجنود المصريون قناة السويس وهم صائمون وأتذكر، منذ عدة سنوات.

أن بعض وسائل الإعلام انتقدت الحكومات الأمريكية المتعاقبة، حيث كانت إدارة كلينتون تمطر نظام صدام حسين بوابل من الصواريخ والقنابل فى رمضان، واحتج المسلمون على حدوث ذلك لأنه شهر له قدسيته الخاصة، وكان رد فعل البيت الأبيض الأمريكى هو بيان تلاه المتحدث الرسمى يؤكد أنه، بالبحث والدراسة، تبين أن معظم حروب المسلمين.

بل واقتتالهم الداخلى قد حدث تاريخيًا فى شهر رمضان، وإذا كنا نتذكر حاليًا الانتصار فى حرب العاشر من رمضان، فإننا نتذكر أيضًا غزوة بدر الكبرى التى تحقق فيها نصر المسلمين فى أكناف هذا الشهر، ويأتى شهر رمضان هذا العام حاملًا فى طياته تطورات إقليمية حاسمة تكاد تطيح الأحداث فيها بكل عوامل البهجة المقترنة بالحيرة، خصوصًا أن العالم يمر بمظاهر مقلقة لمقدمات السيناريو الذى شهده القرن الماضى مرتين مع بدايات الحربين الكونيتين حينذاك.

ولا شك فى أن مستقبل البشرية يبدو الآن على المحك أكثر من أى فترة أخرى فى تاريخه لأن الضباب يغلف الأجواء، ولن تنقطع السحب إلا إذا أمطرت السماء عدلًا ورحمة، وشعر الجميع بأنهم غير مهمشين وأن البشر جميعًا سواسية.

إننا حين نرحب بشهر رمضان هذا العام فإننا نقلب فى فصل جديد من رواية الوطن وتاريخه العريق، مرحبا بشهر الصوم وبرائحته النفاذة ولسانه العذب الذى يتجدد كل عام.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رائحة رمضان رائحة رمضان



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على نجاح حفله في أستراليا

GMT 02:41 2025 الثلاثاء ,20 أيار / مايو

هذه القصة المُحزنة

GMT 00:26 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

غوتيريش يطالب بوقف إطلاق نار دائم في غزة

GMT 00:46 2025 الإثنين ,19 أيار / مايو

توقعات الأبراج اليوم الإثنين 19مايو / أيار 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab