خلافة بوريس جونسون صعبة

خلافة بوريس جونسون صعبة

خلافة بوريس جونسون صعبة

 العرب اليوم -

خلافة بوريس جونسون صعبة

بقلم: بكر عويضة

أياً كان الفائز في سباق خلافة بوريس جونسون، فإن مهمة رئيس الوزراء الجديد ليست هينة، بل ربما من الجائز القول إنها ستضع حامل ملفاتها في أكثر من مأزق صعب، لعل في مقدمها إعادة ترميم جسور ثقة تعرضت لاهتزاز كبير بين جمهور «المحافظين» في الشارع البريطاني عموماً، وبين قيادات الحزب التي تحترف العمل السياسي خصوصاً، من جهة، ثم بين النواب المنتخبين لأنهم أساساً «محافظون»، وبين دوائرهم الانتخابية في مختلف أنحاء بريطانيا، من جهة ثانية. القطاع الأخير، أي النواب، واجه صفعة الأسبوع الماضي بدت مستعصية على الفهم. حقاً، كدت ألا أصدق أنني سمعت التعبير يأتي من سياسي يحمل زخم تجارب بوريس جونسون عندما نطق به مساء الخميس الماضي أمام مقر رئاسة الوزراء، المنصب المستقيل منه. مخاطباً جمهور مؤيديه، أولاً، يليهم كل من كان يسمع ويشاهد، داخل بريطانيا وخارجها، قال حضرته التالي: «أريدكم أن تعرفوا كم أشعر بحزن إزاء اضطراري أن أترك أهم وظيفة في العالم. لكن، كما رأينا، في ويستمنستر القطيع قوي، وعندما يتحرك القطيع، فإنه يتحرك، وفي العمل السياسي ليس ثمة أحد أقوى من إمكانية إزاحته، ولو حتى عن بُعد».

واضح كم هو ساطع الغضب في كلمات مستر جونسون، والأرجح أنني لن أبتعد كثيراً عن الصواب في القول إنه غضب مبرر، وفي الموضع الصحيح. نعم، الرجل مجروح الأحاسيس. مصدوم الآمال. مسلوب الأحلام. مُخيب - بلا إرادة منه - التوقعات، أمِن عجب، إذنْ، إذا أطلق العنان للغضب ينطلق على اللسان، وعلى مرأى ومسمع من الناس أجمعين؟ كلا، على الإطلاق. إنما، تفهم أسباب أي غضب، لن يعني، بالضرورة، تقبل أسلوب التعبير عما يعتري الشخص الغاضب من أحاسيس. ضمن هكذا سياق، من الجائز القول إن بوريس جونسون تجاوز منطق التعامل العقلاني من قِبل السياسي مع الخصوم، حين استخدم كلمة «قطيع» في نص خطاب استقالته، كي يصف أعضاء في مجلس العموم البريطاني يمثلون الحزب ذاته المنتمي إليه هو نفسه، الذي دفع به إلى أعلى درجات الهرم القيادي، ومن خلاله تسلم منصب رئيس الحكومة، «أهم وظيفة في العالم» على حد تعبيره، مع ملاحظة أن هكذا توصيف ليس موضع اتفاق غير قابل لأي جدل عالمياً.
اختلاف الرؤى بين ساسة أي بلد ليس إشكالاً، بل هو مطلوب أساساً، لأنه أولاً مؤشر يؤكد مدى الحيوية التي تدب في الجسم السياسي، وثانياً لأن فيه منافع لعموم الناس بمختلف قطاعات المجتمع، تعينهم على استخلاص قناعاتهم من خلال تمحيص وجهات النظر المتباينة.
المشكل يكمن في كيفية تعبير السياسي المستقل، أو المتسلم موقع مسؤول، أو الجالس في صفوف المعارضة، عن أي موقف بأقل قدر من الانفعال الذاتي، وبأقصى مراتب التحلي بموضوعية تضع الشخصانية جانباً. يعرف كثيرون، وربما على نحو أفضل مما أعرف، أن أوار المعارك السياسية تحت قبة مجلس العموم البريطاني، كثيراً ما يستعر، فيعلو الصراخ، وترتفع حدة الصيحات على الجانبين، وقد يضطر رئيس البرلمان إلى تذكير الأعضاء المشتبكين بضرورة التزام الهدوء، فيعيد القول مراراً «ORDER، ORDER»، إنما الأرجح أن تاريخ الممارسة الديمقراطية في ديار «أم الديمقراطيات» لم يسجل من قبل أن رئيس حكومة رمى، غاضباً، المعارضين له بوصف «قطيع»، على رغم مرارات آلام الجراح السياسية التي أدمت بعضهم، مثل السيدة مارغريت ثاتشر، ومن قبلها ونستون تشرشل. باختصار شديد، هو تعبير غريب جداً على الطبقات السياسية كلها، بمختلف توجهاتها، في هذا البلد.
يبقى القول إن التنوع الواضح في المتسابقين على خلافة بوريس جونسون يعكس في حد ذاته كم اختلفت بريطانيا تشرشل، مثلاً، عنها في عهد جونسون. يكفي التأمل في حقيقة أن أربعة بين أحد عشر مرشحاً في سباق الخلافة ينتمون إلى أعراق تعود بهم، أو بعائلاتهم، إلى أصول مهاجرة. هكذا تنوع فيه دحض صريح لوصف «القطيع» الذي تسرع جونسون كثيراً في النطق به. هل يمكن عدها واحدة من زلات لسان الرجل المثير للجدل؟ ممكن، طبعاً، لكن يظل لافتاً للنظر كم أن رئيس الوزراء المغادر أضاع بنفسه كثيرَ فرصٍ لمجرد أنه في مرات عدة، أخفق في أن يضع بوريس الشخص جانباً، ويعطي الأولوية للسياسي جونسون. لو فعل، ربما كانت النتيجة اختلفت تماماً.

arabstoday

GMT 11:02 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

GMT 10:54 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

حسابات المكسب

GMT 10:51 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

منير وشاكوش وحاجز الخصوصية!

GMT 10:47 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

الضربة الإيرانية

GMT 04:18 2024 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

سفير القرآن!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خلافة بوريس جونسون صعبة خلافة بوريس جونسون صعبة



GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
 العرب اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 23:31 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 23:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان

GMT 20:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 23:51 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 23:10 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 10:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

219 مستوطنا إسرائيليا يقتحمون المسجد الأقصى

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 21:15 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab