بقلم : عبد اللطيف المناوي
عزيزى القارئ، يمكنك الاطلاع على عدد قليل من الأخبار التى نشرت خلال الـ ٢٤ ساعة الماضية، لتعرفَ حجم الكارثة التى يتعرض لها الأطفال فى غزة. إليك بعض منها:
مسؤولان أمميان يؤكدان أن الكلمات تتضاءل أمام حجم المعاناة فى غزة، وأشارا إلى أنّ العالم يخذل أطفال القطاع، وأن التاريخ سيحكم، بقسوة، على هذا الفشل.
المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) جولييت توما توثق فى مقال نشرته مجلة «٩٧٢+» الإسرائيلية الرقمية المأساة المتفاقمة فى غزة، حيث يواجه الأطفال خطر الموت جوعا بسبب الحصار الإسرائيلى ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.
مصدر طبى بمستشفى شهداء الأقصى يعلن وفاة طفلة عمرها عام ونصف بسبب سوء التغذية فى دير البلح وسط قطاع غزة المحاصر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، برا وبحرا وجوا.
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» تطلق برنامجا للدعم النفسى والاجتماعى لـ ١٢٠٠ طفل ومراهق نازح فى غزة، نتيجة لما يواجهه أطفال القطاع من أزمة متفاقمة فى سلامتهم النفسية مع نزوح العائلات ونقص الخدمات الأساسية فى مخيمات النزوح.
عزيزى القارئ، أتمنى أن تكون قد استوعبت ما يحدث حقا فى قطاع غزة، ورد فعل العالم. فى كل يوم يمر، تتكشف أمامنا صورة مأساوية لا يمكن للعقل الإنسانى أن يدركها ولا للضمير العالمى أن يبرر عجزه إزاءها. أوضاع الأطفال فى غزة تجاوزت حدود التحمل، ولم تعد مجرد مأساة إنسانية، بل تحولت إلى جريمة مستمرة تتغذىَ على عجز العالم وقلة حيلته. هؤلاء الأطفال لا يواجهون فقط خطر القصف أو النزوح، بل يواجهون الموت السريع وليس البطيء كما تذكر الأخبار. أجسادهم الصغيرة لم تعد تقوى على الصمود، وقلوبهم المرتجفة تنتظر الموت فى كل لحظة.
المجتمع الدولى، رغم كل التصريحات والمؤتمرات والبيانات -التى ذُكرت فى الأخبار السابقة- لا يزال يتحدث بلغة باهتة ولهجة باردة لا تلامس عمق الكارثة. إن بيانات الشجب والإدانة التى تُساق كلما تفاقمت المأساة لم تعد تكفى، بل باتت جزءًا من روتين فاشل يحاول تجميل عجزه عن وقف آلة حرب لا ترحم. فمنذ أكثر من عام ونصف، تُرتكب مجزرة كاملة الأركان، يُقتل فيها الأطفال يوميًا، ويُحرمون من أبسط حقوق الحياة، دون أن يُحرّك العالم ساكنًا.
ليست المشكلة فى قلة المعلومات، ولا فى غياب التوثيق، بل فى غياب الإرادة. العالم يرى ويسمع ويعرف، لكنه لا يعرف كيف يوقف نزيف الطفولة، ولا يملك الشجاعة الكافية لكبح جماح القتلة، ويتحدث عن دعم نفسي! هل هذا معقول؟
المأساة فى غزة لم تعد بحاجة إلى المزيد من الشهادات والبيانات والمساعدات التى لا تسمن ولا تغنى، بل إلى موقف يضع حدًا لهذا الجحيم المستمر. أما الصمت، فسيبقى شاهدًا على زمن سقط فيه العالم فى اختبار ضميره وإنسانيته.