«سورنة» لبنان

«سورنة» لبنان

«سورنة» لبنان

 العرب اليوم -

«سورنة» لبنان

عريب الرنتاوي

طبول الحرب في سوريا وعليها، ظلت تُقرع في لبنان طوال سنوات خمس عجاف ... لكن لبنان نجح في تفادي الانزلاق في المستنقع السوري، برغم انقسام اللبنانيين الحاد بين داعم للنظام السوري ومؤيد للمعارضة ... وساعده على ذلك عاملان رئيسان: الأول، اتفاق مُضمر بين اللبنانيين بعدم الاقتتال على الأرض اللبنانية، والانتقال بدلاً عن ذلك، لمواجهة بعضهم البعض في سوريا ... التيار المناهض للنظام السوري، بدأ مبكراً بتهريب السلاح والمال و”السلفيين الجهاديين” إلى فصائل سورية معارضة ... والتيار الداعم للنظام، جاهر بانخراطه النشط في المعارك والجبهات الممتدة من درعا حتى حلب، ومن دمشق إلى القلمون.
أما العامل الثاني الذي مكّن اللبنانيين من تفادي الأسوأ، والمقامرة بـ “عودة الحرب الأهلية” فقد تمثل أساساً في وجود “شبكة أمان إقليمية – دولية” للبنان، تمنع انزلاقه إلى أتون الحرب السورية، حيث بدا أن ثمة توافقاً إقليمياً، مدعوم دولياً، على تجنيب لبنان خطر “الانفجار الكبير” ... وجرى ضمنياً القبول بالمعادلة التي توصل إليها اللبنانيون: كل فريق يدعم نظرائه على الساحة السورية، ولكل فريق الحق في التعبير عن انحيازاته الإقليمية في الصراع المحتدم بين محوري طهران والرياض.
ولاستكمال شروط “عدم السقوط في قعر الهاوية السورية”، بدا أن توافقاً قد تحقق على “تحييد” لبنان والنأي به عن هذه المحاور، وتردد شعار “النأي بالنفس” على كل لسان، وهو شعار ينطبق فقط على المواقف الرسمية، التي تصدر عن الحكومة والدولة اللبنانيتين، ولا يحجب حق كل فريق في التعبير عن مواقفه الداعمة لحلفائه الإقليميين ... وترتب على هذه المعادلة، ظهور مبادرات تقترح تدعيم الجيش وأجهزة الأمن اللبنانية، باعتبارها فوق الانقسامات المذهبية والطائفية المحلية، ورمز قوة الدولة ومنعتها، ووسيلة لتعزيز حضورها ومنع “التغوّل” عليها... وفي هذا السياق جاءت المبادرات السعودية لتسليح الجيش ومنحة الثلاثة مليارات دولار ومنحة المليار الأخيرة، التي سيثبت فيما بعد، أن القليل منها، قد جرى صرفه فعلاً.
القرار السعودي بتعليق منحة تسليح الجيش، والضغط الخليجي المتكرر على الحكومة اللبنانية لإعلان انحيازها لمحور تقوده المملكة على الساحة الإقليمية، والتلويح بسيف العقوبات الجماعية ضد مؤسسات الدولة وجهازها المصرفي والعاملين اللبنانيين في الخليج، أثار انقساماً حاداً في لبنان، وخلق “هزة سياسية” لا يبدو أن ارتداداتها ستتوقف قريباً.
اللبنانيون، وعلى طريقتهم المعروفة، حاولوا امتصاص موجة الغضب والضغط السعودية ... خرجوا ببيان حكومي أقرب للاعتذار، لم تقبل به الرياض، وشرع الفريق المؤيد لها في جمع عرائض الامتنان المليونية، وصدر سيل من التصريحات المؤيدة والمثمنة والشاكرة للمملكة، ولكن من دون جدوى ... الرياض قررت على ما يبدو تعميم “معادلة من ليس معنا فهو ضدنا” على لبنان، والأنباء تتحدث عن بدء عمليات تسفير اللبنانيين من الخليج، وتوسيع قائمة المشمولين باللائحة السعودية السوداء للإرهاب والإرهابيين، والدبلوماسية السعودية تتحرك لاستصدار قرار عربي، عن جامعة الدول العربية، باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، مع كل ما يترتب على لبنانياً.
معنى ذلك، أن شبكة الأمان الإقليمية التي توفرت للبنان قد باتت “مثقوبة”، فالإصرار على كسب تأييد لبنان الرسمي وانحيازه لمحور، سيبدو مهمة مستحيلة في ظل توازن القوى الحساس في البلد الموزع على الطوائف والمذاهب والمحاور ... و”شيطنة” حزب الله، إلى حد استصدار قرار عربي باعتباره إرهابياً، يعني إخراجه من الحكومة والبرلمان، والشروع في حرب لاستئصاله، وهذه مهمة عصية على حلفاء الرياض في لبنان، وقد استعصت من قبل على إسرائيل في حرب تموز 2006.
والحقيقة أن الإجراءات التي اتخذت مؤخراً بحق لبنان، تبدو شديدة التناقض ، فإذا كان المقصود بها إضعاف حزب الله، فإن نتائجها الفعلية، تمس قدرات الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية، والاقتصاد الوطني اللبناني ... حزب الله سيكون أقل المتضررين من هذه الإجراءات التي تضعف الدولة وتصيب أساسا حلفاء الرياض ... وإذا ما شرعت دول خليجية في إبعاد العاملين اللبنانيين عن أراضيها، فإن مشاعر النقمة لن تصيب الحزب بالقدر الذي ستصيب هذه الدول ذاتها.
وباستثناء عدد قليل من الدولة الخليجية التي تنتصر للمملكة “ظالمة أو مظلومة”، فلم تحظ الإجراءات العقابية السعودية ضد لبنان بأي تأييد دولي أو إقليمي، حتى فرنسا والولايات المتحدة، عبرتا عن “القلق” من إضعاف الجيش اللبناني، وتعهدتا الاستمرار بتقديم المساعدات له، فيما وجدت إيران في الموقف السعودي، فرصتها لمد يد العون، وربما عملاً بنظرية “ملء الفراغ”، وهو أمر ستترتب عليه، تداعيات هامة، إن وجد الجيش اللبناني نفسه مضطراً لقبول “السلاح والعتاد” من إيران.
إن استمرت الضغوط و”العقوبات “على لبنان واللبنانيين لإجباره على الالتحاق بمحور في مواجهة آخر، وإن جرى فعلاً تسفير أعداد كبيرة من اللبنانيين من دول الخليج، فإن لبنان سيكون مقبلاً على “انفجار كبير”، سيما إن تعذر بقاء حكومة تمام سلام، وانتشر “الفراغ” من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة والبرلمان المُمدد له والمعطل.
لبنان لا يؤخذ كله إلى محور دون آخر، والنأي بالنفس هو الترجمة الفعلية لهذه الحقيقة، وعلى اللاعبين الكبار في الإقليم أن يكتفوا بـ “حصتهم” من اللبنانيين، إذا هم أرادوا للبنان ألا يستعيد فصول الحرب الأهلية الدامية، وبخلاف ذلك، فإنهم يغامرون بتفجير لبنان وإحراقه، أو بالأحرى “سورنته”.

arabstoday

GMT 02:47 2024 الإثنين ,11 آذار/ مارس

الدور الريادي للدبلوماسية السعودية

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 آذار/ مارس

غزة... التدمير مقابل التدمير

GMT 01:34 2024 السبت ,10 شباط / فبراير

الانتظار... الطريق إلى الانهيار

GMT 01:48 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

أي شرق أوسط بعد 7 أكتوبر؟

GMT 19:26 2023 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

العام الجديد بين الانسدادات والآفاق

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سورنة» لبنان «سورنة» لبنان



 العرب اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 04:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

قمة البحرين

GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

نسيج العنف... ما بعد حرب غزة؟

GMT 10:42 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

إطلالات تراثية ملهمة للملكة رانيا

GMT 10:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 10:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 08:58 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab