يعقد الاتحاد الأوروبي يوم الخميس قمة استثنائية لبحث كيفية مواجهة مأساة المهاجرين عبر البحر المتوسط، وذلك بعد سلسلة من كوارث الغرق التي خلفت مئات القتلى، جاء ذلك في أعقاب إعلان الأمم المتحدة فجر اليوم مصرع 800 مهاجر غير شرعي إثر غرق سفينتهم قبالة السواحل الليبية.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، لدى إعلانه عقد القمة الاستثنائية، "إنه لا يمكن الاستمرار في معالجة قضية الهجرة على النحو المعمول به، كما استنكر أن يكون موت مئات الأشخاص هو ثمن الوصول إلى أوروبا عبر البحر".
وطالب المفوض الأوروبي المكلف بملف الهجرة ديمتريس أفراموبولوس بضرورة اتخاذ إجراءات مباشرة وعملية وجوهرية،حتى لا تأخذ الأزمة منحى خطراً في الاشهر المقبلة، وقدم المفوض الأوروبي خطة ستسلم الى قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي المقررة الخميس المقبل في بروكسل.
وتتضمن الخطة تعزيز عمليتي المراقبة والإنقاذ "تريتون" و"بوزيدون" اللتين تنفذهما وكالة "فرونتكس" الأوروبية لمراقبة الحدود، عبر زيادة امكانياتهما المالية ومعداتهما، كما أنه جرى بحث إجراء أكثر جرأة يتمثل في توقيف وتدمير المراكب التي يستخدمها المهربون.
وأدى انقلاب مركب قبالة سواحل ليبيا يوم الأحد الماضي إلى مصرع 800 شخص لم ينج منهم إلا 28 بحسب قوة خفر السواحل الإيطالية، ووقعت الكارثة بعد أسبوع على حادثي غرق لزوارق أوقعا نحو 450 قتيلا مع تزايد عدد المهاجرين القادمين من ليبيا.
وفي منتصف ديسمبر الماضي، ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد المهاجرين الذين لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى دول أخرى بلغ أرقاما قياسية في عام 2014، وأشارت المنظمة بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين الى أن ما يقارب من خمسة آلاف مهاجر لقوا حتفهم هذا العام في عرض البحر أو في الصحارى النائية أو عن طريق السفر عبر الجبال.
وكان أكبر عدد من القتلى في البحر الأبيض المتوسط، حيث غرق أكثر من ثلاثة آلاف شخص بعد خوض الرحلات الخطرة في قوارب غير صالحة للإبحار.
وبعد المأساة الاخيرة، فإن عدد ضحايا حوادث الغرق في البحر المتوسط سيرتفع الى أكثر من 1600 شخص منذ مطلع العام الجاري فقط.. في حين تم إنقاذ أكثر من 11 ألف شخص، وتوحي التقديرات بأن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذي وصلوا الى ايطاليا في 2015 سيفوق ال170 الفا المسجلة في العام الماضي.
وحذرت المفوضية الأوروبية من تصاعد أعداد المهاجرين القادمين بحراً إلى أوروبا خلال الأسابيع القادمة، بسبب تحسن الظروف المناخية وقدوم الصيف، بالدرجة الأولى، وأشارت المتحدثة باسم المفوضية ناتاشا برتود إلى عزم المفوضية تقديم مقترحات جديدة لمعالجة ملف الهجرة غير الشرعية، خلال مايو المقبل، من خلال رفع مساعدات الدول لدعم موازنة وكالة حرس الحدود الأوروبية "فرونتكس".
وذكرت أن المفوض الأوروبي المكلف بشؤون الهجرة، ديمتريس أفرمبولوس، سيقوم بجولة تشمل المغرب وتونس ومصر بهدف بحث ملف الهجرة غير الشرعية وإعداد استراتيجية أوروبية جديدة في هذا الشأن.
وتشير تقارير منظمة الهجرة الدولية إلى أن ما يقرب من 1500 مهاجر غير شرعي وصلوا إلى السواحل الإيطالية، خلال عطلة عيد الفصح، وأنه تم إنقاذ ما يقرب من 8 آلاف شخص منذ بداية أبريل الجاري.
وقالت المنظمة، التي تتخذ من إيطاليا مقرا لها، إنه خلال الفترة من ( 10 ـ 14) أبريل تمكنت السلطات من إنقاذ 5600 شخص، أغلبهم وافدون من السواحل الليبية.
ويرى مراقبون أن اجتماع الخميس المقبل سيخصص جانباً لمناقشة تدفقات الهجرة برا وبحرا وجوا خاصة في ظل عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وطلبات الهجرة واللجوء المتدفقة من سوريا وليبيا والعراق.. وأظهرت آخر احصاءات الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس" أن عبور الحدود في شكل غير شرعي زاد ثلاث مرات وارتفع من 100 ألف الى 274 الفا بين عامي 2013 و2014.
ويواصل الوضع تدهوره في الجنوب والشرق.. فخلال عام، زاد عبور المهاجرين وطالبوا اللجوء في وسط المتوسط نحو إيطاليا أربع مرات من 45 الفا الى 174 الفا، وبلغ الضعف في شرق المتوسط مع 50 ألفا.. فيما زاد من عشرين الفا الى 37 الفا في البلقان عند الحدود بين المجر وصربيا.
ويواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الظاهرة في ظل انعدام التضامن بين دوله على صعيد استقبال المهاجرين وطالبي اللجوء، وباتت أبواب اللجوء تغلق تدريجيا في الاتحاد الأوروبي، فالدنمارك شددت قواعدها وبلجيكا خفضت عدد مراكز الاستقبال لديها، فيما أعلنت المانيا والسويد أن نظاميهما يواجهان "صعوبة بالغة" بسبب تدفق طالبي اللجوء من كوسوفو.
وأعلنت الشرطة الأوروبية "يوروبول" الشهر الماضي تشكيل فريق خبراء مكلف لمكافحة شبكات الهجرة السرية في منطقة المتوسط، وأوضح مدير "يوروبول"، روب وينرايت، أن هدف الفريق هو تقاسم المعلومات المخابراتية من أجل تفكيك هذه الشبكات قبل مغادرة المهاجرين.
ومن المقرر أن يتخذ الفريق مقرا في لاهاي ويتألف من 13 خبيرا من دول أوروبية من بينها فرنسا والمانيا وايطاليا ،ومهمتها جمع المعلومات وتحليلها واعادة توزيعها على الدول الأعضاء.. وقال مدير الشرطة الأوروبية "إن شبكات تهريب المهاجرين تتوسع دوليا، وتشمل أوروبيين وجنسيات عربية أخرى".
ودعت منظمات حقوقية، على غرار منظمة العفو الدولية، إلى استئناف عمليات البحث والإنقاذ لخفر السواحل الإيطاليين المعروفة بـ "ماري نورستروم" التي علق العمل بها في أواخر العام الماضي.
وأوقفت إيطاليا العمل بعمليات البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط في محاولة لإقناع شركائها الأوروبيين بضرورة مساعدتها في التكلفة البالغة تسعة ملايين يورو شهريا، وأيضا على خلفية انقسامات حول ما إذا كانت العمليات تشجع المهاجرين بشكل غير مقصود على المجازفة، واستبدلت عملية "ماري نوستروم" بعملية "ترايتون" الأصغر نطاقا والتي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي.
وقد تم تمديد عملية "تريتون الأوروبية لمراقبة الهجرة غير الشرعية في البحر المتوسط" في فبراير الماضي وحتى نهاية 2015 وتخصيص 13,7 مليون يورو لمساعدة ايطاليا على إدارة آلاف الوافدين الى أراضيها، وانطلقت عملية "تريتون" الجارية بتنسيق وكالة "فرونتكس" الأوروبية لمراقبة حدود الاتحاد الأوروبي، في نوفمبر 2014 لمساعدة إيطاليا على ضبط حدودها البحرية وإنقاذ المهاجرين غير الشرعيين من مراكب جانحة بحرا.
ويرصد القادة الأوروبيون كل الامكانات للتصدي لهذه الظاهرة في وقت تدفع ايطاليا شركاءها الى التحرك.. وقد وصل إلى سواحلها منذ بداية العام نحو ثمانية آلاف مهاجر.
وذكر رئيس "فرونتكس"، الفرنسي فابريس لياندري، أن ما بين 500 الف ومليون مهاجر مستعدون للمغادرة انطلاقا من السواحل الليبية.
ويبدو التعاون بين الدول التي ينطلق منها المهاجرون وتلك التي يعبرونها أمرا أساسيا، حيث وافقت تركيا التي باتت إحدى أبرز محطات العبور على اتخاذ تدابير لمنع ازدياد سفن الشحن الوهمية التي تبحر من السواحل القريبة من الحدود السورية بعد أن تقل مئات الركاب، وتدعو المانيا والنمسا الى اقامة مراكز استقبال في بلدان شمال أفريقيا
أرسل تعليقك