منذ استقلالها، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع العديد من الأزمات المالية التي زعزعت اقتصاد واستقرار البلاد.فعام 1792، عاش الأميركيون على وقع أزمة مالية خانقة بسبب المضاربة بالأسواق وانهيار السوق باقتصادها حديث النشأة. وبعدها بخمس سنوات، شهدت الولايات المتحدة أزمة أخرى أكثر حدة بسبب المضاربة على الأراضي والسياسة الانكماشية التي اعتمدها بنك إنجلترا (المركزي) وهو ما رجع بالضرر على أسواق الائتمان بالبلاد.
ثم تتالت الأزمات المالية والاقتصادية التي زلزلت الاقتصاد الأميركي خلال العقود التالية. وبحلول العام 1907، شهدت البلاد أزمة أخرى دفعت المسؤولين للتفكير في إنشاء نظام مالي مركزي للسيطرة على النظام النقدي بهدف تخفيف الأزمات.
أزمة 1907
وعقب إعصار "غالفستون" بولاية تكساس عام 1900 وزلزال سان فرانسيسكو سنة 1906، لجأت مؤسسات التأمين الأميركية لاقتراض مبالغ مالية هائلة لسداد ما عليها للمتضررين، متسببة بذلك بظهور بوادر أزمة بالبلاد.
ثم عام 1907، لجأت مجموعة من أثرياء نيويورك للمضاربة على النحاس بالأسواق والاستثمار بهذا القطاع بسبب تزايد الطلب على هذه المادة التي استخدمت في نظام الإضاءة ونقل الكهرباء بالولايات المتحدة.
ولتنفيذ خطتهم، لجأ هؤلاء المستثمرون لاقتراض مبالغ مالية طائلة وعمدوا لشراء أسهم أملا في الاستفادة منها... لكن انهيار هذه المخططات سريعا دون أن تسدد القروض للبنوك، تسبب في ظهور حالة من الذعر والخوف بالنظام المالي الأميركي.
ونتيجة لذلك، تسببت هذه الأزمة في انهيار وإفلاس العديد من البنوك التي منحت قروضا لهؤلاء المستثمرين. ويعد بنك "نيكربوكر ترست كومباني" Knickerbocker Trust Company أول البنوك المتضررة. فمع ظهور بوادر الإفلاس، لجأ مسؤولو هذا البنك لإغلاق الأبواب بوجه العملاء الذين تهافتوا عليه لسحب أموالهم.
ومع فقدان الثقة بالمؤسسات المالية، اتجه عدد هائل من الأميركيين نحو البنوك لسحب أموالهم متسببين بذلك في توسع الأزمة نحو مناطق مختلفة من البلاد، ما دفع لانهيار البورصة تزامنا مع إغلاق البنوك لأبوابها بشكل مؤقت.
إلا أنه لتخطي هذه الأزمة، عمد الثري الأميركي جون بياربون مورغان لتنفيذ خطة إنقاذ خاصة لجأ من خلالها لجمع عدد من الأثرياء وأصحاب البنوك بهدف ضخ مزيد من السيولة بالبنوك المتضررة. كما دعم مورغان بورصة نيويورك بهدف إنقاذها من الانهيار.
وجاءت هذه الأزمة عام 1907 لتكشف أن الاقتصاد الأميركي قائم على الأثرياء، وأن مؤسسات الدولة شبه غائبة بهذا المجال الحيوي.
وخلال الأعوام التالية، شهدت الولايات المتحدة جدلا واسعا حول دور الأثرياء في تقرير مصير البنوك وإجبار بعضها على الإفلاس والاختفاء. ومن جهة ثانية، كلف الكونغرس الأميركي السيناتور نيلسون ألدريش بتشكيل لجنة لدراسة إمكانية إحداث نظام احتياطي فيدرالي بالبلاد.
ثم بعد سنوات من الخلاف، أقر الكونغرس بشكل رسمي خلال ديسمبر عام 1913 قانون الاحتياطي الفيدرالي الذي أمر بإنشاء 12 بنكا احتياطيا تشرف عليها واشنطن، وذلك لتجنب وجود بنك مركزي واحد ذو سلطة مطلقة تزامنا مع منح الدولة وسيلة فعالة لضبط سوق المال بالبلاد وتجنب الأزمات المالية.
وقد يهمك أيضًا :
الاقتصاد الأميركي يتباطأ في أغسطس لضعف الصناعة والخدمات
الذهب يتجه لانخفاض أسبوعي في ظل متانة الاقتصاد الأميركي
أرسل تعليقك